صفحة جزء
باب قضاء رمضان متتابعا ومتفرقا وتأخيره إلى شعبان

1697 - ( عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { قضاء رمضان إن شاء فرق ، وإن شاء تابع } رواه الدارقطني . قال البخاري : قال ابن عباس : لا بأس أن يفرق لقول الله تعالى { فعدة من أيام أخر ) }

1698 - ( وعن عائشة قالت : نزلت { فعدة من أيام أخر } متتابعات ، فسقطت متتابعات . رواه الدارقطني وقال : إسناد صحيح ) .


. حديث ابن عمر في إسناده سفيان بن بشر وقد تفرد بوصله . قال الدارقطني : ورواه عطاء عن عبيد بن عمير مرسلا . قال الحافظ : وفي إسناده ضعف أيضا . وقد صحح الحديث ابن الجوزي وقال : ما علمنا أحدا طعن في سفيان بن بشر . ورواه الدارقطني أيضا من حديث عبد الله بن عمر ، وفي إسناده الواقدي وابن لهيعة .

ورواه من حديث محمد بن المنكدر قال : بلغني { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن تقطيع قضاء شهر رمضان فقال : ذاك إليك ، أرأيت لو كان على أحدكم دين فقضى الدرهم والدرهمين ألم يكن قضاء ؟ والله أحق أن يعفو } وقال : هذا إسناد حسن لكنه مرسل . وقد روي موصولا ولا يثبت .

وفي الباب عن أبي عبيدة ومعاذ بن جبل وأنس وأبي هريرة ورافع بن خديج [ ص: 276 ] أخرجها البيهقي ، وهذه الطرق وإن كانت كل واحدة منها لا تخلو عن مقال فبعضها يقوي بعضا فتصلح للاحتجاج بها على جواز التفريق وهو قول الجمهور ، وحكاه في البحر عن علي عليه السلام وأبي هريرة وأنس ومعاذ ، ونقل ابن المنذر عن علي وعائشة وجوب التتابع قال في الفتح : وهو قول بعض أهل الظاهر .

وروى عبد الرزاق بإسناده عن ابن عمر أنه قال : يقضيه تباعا ، وحكاه في البحر عن النخعي والناصر وأحد قولي الشافعي ، وتمسكوا بالقراءة المذكورة ، أعني قوله " متتابعات " .

قال في الموطأ : هي قراءة أبي بن كعب ، وأجيب عن ذلك بما تقدم عن عائشة أنها سقطت ، على أنه قد اختلف في الاحتجاج بقراءة الآحاد كما تقرر في الأصول ، وإذا سلم أنها لم تسقط فهي منزلة عند من قال بالاحتجاج بها منزلة أخبار الآحاد ، وقد عارضها ما في الباب من الأحاديث . وقال القاسم بن إبراهيم : إن فرق أساء وأجزأ .

وحكى في البحر عن داود أن القاضي يطابق وقت الفوات من أول الشهر وآخره ووسطه ، ومما احتج به للتتابع ما أخرجه الدارقطني عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال : { من كان عليه صوم من رمضان فليسرده ولا يقطعه } لكنه قال البيهقي : لا يصح .

وفي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي وهو مختلف فيه . قال الدارقطني : ضعيف . وقال أبو حاتم : ليس بالقوي روى حديثا منكرا . قال عبد الحق : يعني هذا ، وتعقبه ابن القطان بأنه لم ينص عليه فلعله غيره ، قال : ولم يأت من ضعفه بحجة ، والحديث حسن . قال الحافظ : قد صرح ابن أبي حاتم عن أبيه بأنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن قوله : ( قال ابن عباس ) وصله عبد الرزاق وأخرجه الدارقطني عنه من وجه آخر .

1699 - ( وعن عائشة قالت : { كان يكون علي الصوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ، وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه الجماعة ، ويروى بإسناد ضعيف عن أبي هريرة .

عن النبي صلى الله عليه وسلم { في رجل مرض في رمضان فأفطر ، ثم صح ولم يصم حتى أدركه رمضان آخر ، فقال : يصوم الذي أدركه ، ثم يصوم الشهر الذي أفطر فيه ، ويطعم كل يوم مسكينا } رواه الدارقطني عن أبي هريرة من قوله ، وقال : إسناد صحيح موقوف ) . [ ص: 277 ]

1700 - ( وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من مات وعليه صيام شهر رمضان فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا } وإسناده ضعيف . قال الترمذي : والصحيح أنه عن ابن عمر موقوف ) .

1701 - ( وعن ابن عباس قال : إذا مرض الرجل في رمضان ثم مات ولم يصم أطعم عنه ولم يكن عليه قضاء ، وإن نذر قضى عنه وليه . رواه أبو داود ) .

حديث أبي هريرة أخرجه الدارقطني ، وفي إسناده عمر بن موسى بن وجيه وهو ضعيف جدا ، والراوي عنه إبراهيم بن نافع وهو أيضا ضعيف ، وروي عنه موقوفا وصححه الدارقطني كما ذكر المصنف وغيره .

وحديث ابن عمر أخرجه الترمذي عن قتيبة عن عبثر بن القاسم عن أشعث عن محمد عن نافع عن ابن عمر مرفوعا وقال : غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه ، والصحيح أنه موقوف على ابن عمر ، قال : وأشعث هو ابن سوار ، ومحمد هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى . قال الحافظ رواه ابن ماجه من هذا الوجه ووقع عنده عن محمد بن سيرين بدل محمد بن عبد الرحمن وهو وهم منه أو من شيخه . وقال الدارقطني : المحفوظ وقفه على ابن عمر ، وتابعه البيهقي على ذلك .

وأثر ابن عباس صححه الحافظ وأخرجه الدارقطني وسعيد بن منصور والبيهقي وعبد الرزاق موصولا ، وعلقه البخاري .

قال عبد الحق في أحكامه : لا يصح في الإطعام شيء ، يعني مرفوعا ، وكذا قال في الفتح قوله : ( فما أستطيع أن أقضي إلا في شعبان ) استدل بهذا على أن عائشة كانت لا تتطوع بشيء من الصيام ولا في عشر ذي الحجة ولا عاشوراء ولا غير ذلك ، وهذا الاستدلال إنما يتم بعد تسليم أنها كانت ترى أنه لا يجوز صيام التطوع لمن عليه دين من رمضان ، ومن أين لقائله ذلك قوله : ( وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ) هذا لفظ مسلم .

وفي لفظ البخاري " الشغل بالنبي صلى الله عليه وسلم " وفيه رواية للترمذي وابن خزيمة أنها قالت : " ما قضيت شيئا مما يكون علي من رمضان إلا في شعبان حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وفي الحديث دلالة على جواز تأخير قضاء رمضان مطلقا ، سواء كان لعذر أو لغير عذر ; لأن الزيادة ، أعني قوله : " وذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم " قد جزم بأنها مدرجة جماعة من الحفاظ كما في الفتح ، ولكن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لا سيما مع توفر دواعي أزواجه إلى سؤاله عن الأحكام الشرعية ، فيكون ذلك ، أعني [ ص: 278 ] جواز التأخير مقيدا بالعذر المسوغ بذلك قوله : ( ويطعم كل يوم مسكينا ) استدل به وبما ورد في معناه من قال : بأنها تلزم الفدية من لم يصم ما فات عليه في رمضان حتى حال عليه رمضان آخر وهم الجمهور ، وروي عن جماعة من الصحابة منهم ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة . وقال الطحاوي عن يحيى بن أكثم قال : وجدته عن ستة من الصحابة لا أعلم لهم مخالفا . وقال النخعي وأبو حنيفة وأصحابه : إنها لا تجب الفدية لقوله تعالى { فعدة من أيام أخر } ولم يذكرها . وأجيب بأنها قد ذكرت في الحديث كما تقدم ، ويدل على ثبوتها قوله تعالى: { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال في البحر : ونسخ التخيير لا ينسخ وجوبها على من أفطر مطلقا إلا ما خصه الإجماع . وقال أبو العباس : إن ترك الأداء لغير عذر وجبت وإلا فلا ، وحكي في البحر عن الشافعي أنه إن ترك القضاء حتى حال لغير عذر لزمه وإلا فلا . وأجيب عن هذين القولين بأن الحديث لم يفرق ، وقد بينا أنه لم يثبت في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء ، وأقوال الصحابة لا حجة فيها ، وذهاب الجمهور إلى قول لا يدل على أنه الحق ، والبراءة الأصلية قاضية بعدم وجوب الاشتغال بالأحكام التكليفية حتى يقوم الدليل الناقل عنها ولا دليل ههنا ، فالظاهر عدم الوجوب . وقد اختلف القائلون بوجوب الفدية هل يسقط بها أم لا ، فذهب الأكثر منهم إلى أنه لا يسقط .

وقال ابن عباس وابن عمر وقتادة وسعيد بن المسيب : إنه يسقط . والخلاف في مقدار الفدية ههنا كالخلاف في مقدارها في حق الشيخ العاجز عن الصوم وقد تقدم بيانه قوله : ( إذا مرض الرجل في رمضان . . . إلخ ) استدل به على وجوب الإطعام من تركة من مات في رمضان بعد أن فات عليه بعضه ، وفيه خلاف ، والظاهر عدم الوجوب لأن قول الصحابة لا حجة فيه ، ووقع التردد فيمن مات آخر شعبان ، وقد رجح في البحر عدم الوجوب ; لأن الأصل البراءة قوله : ( وإن نذر قضى عنه وليه ) سيأتي البحث عن هذا قريبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية