صفحة جزء
باب صوم النذر عن الميت

1702 - ( عن ابن عباس : { أن امرأة قالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فأصوم عنها ؟ فقال : أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها ؟ قالت : نعم ، قال : فصومي عن أمك } أخرجاه .

وفي رواية : { أن امرأة ركبت البحر فنذرت إن الله نجاها أن تصوم شهرا ، فأنجاها الله فلم تصم حتى ماتت ، [ ص: 279 ] فجاءت قرابة لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك ، فقال : صومي عنها } أخرجه أحمد والنسائي وأبو داود ) .

1703 - ( وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من مات وعليه صيام صام عنه وليه } متفق عليه ) .

1704 - ( وعن بريدة قال : { بينا أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتته امرأة فقالت : إني تصدقت على أمي بجارية وإنها ماتت فقال : وجب أجرك وردها عليك الميراث ، قالت : يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفأصوم عنها ؟ قال : صومي عنها ، قالت : إنها لم تحج قط أفأحج عنها ؟ قال : حجي عنها } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه . ولمسلم في رواية : صوم شهرين )


. قوله : ( إن امرأة ) هي من جهينة كما في البخاري وله : ( وعليها نذر صوم ) في رواية للبخاري " وعليها صوم شهر " وفي أخرى له " أنه أتى رجل فسأل " وفيه رواية له أيضا " وعليها خمسة عشر يوما " وفي رواية له أيضا " وعليها صوم شهرين متتابعين " . قال في الفتح : وقد ادعى بعضهم أن هذا اضطراب من الرواة ، والذي يظهر تعدد الواقعة ، وأما الاختلاف في كون السائل رجلا أو امرأة والمسئول عنه أختا أو أما فلا يقدح في موضع الاستدلال من الحديث قوله : ( أرأيت ) . . . إلخ فيه مشروعية القياس وضرب الأمثال ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما اختلف فيه وأشكل بما اتفق عليه ، وفيه أنه يستحب للمفتي التنبيه على وجه الدليل إذا ترتب على ذلك مصلحة وهو أطيب لنفس المستفتي وأدعى لإذعانه ، وسيأتي مثل هذا في الحج إن شاء الله تعالى قوله : ( فجاءت قرابة لها ) هذه الرواية مطلقة فينبغي أن تحمل على الرواية المقيدة بذكر البنت قوله : ( من مات وعليه صيام ) هذه الصيغة عامة لكل مكلف ، وقوله : " صام عنه وليه " خبر بمعنى الأمر تقديره فليصم .

وفيه دليل على أنه يصوم الولي عن الميت إذا مات وعليه صوم أي صوم كان . وبه قال أصحاب الحديث وجماعة من محدثي الشافعية وأبو ثور .

ونقل البيهقي عن الشافعي أنه علق القول به على صحة الحديث . وقد صح ، وبه قال الصادق والناصر والمؤيد بالله والأوزاعي [ ص: 280 ] وأحمد بن حنبل والشافعي في أحد قوليه . قال البيهقي في الخلافيات : هذه السنة ثابتة لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها ، والجمهور على أن صوم الولي عن الميت ليس بواجب ، وبالغ إمام الحرمين ومن تبعه فادعوا الإجماع على ذلك . وتعقب بأن بعض أهل الظاهر يقول بوجوبه وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي في الجديد إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقا ، وبه قال زيد بن علي والهادي والقاسم . وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد : إنه لا يصام عنه إلا النذر . وتمسك المانعون مطلقا بما روي عن ابن عباس أنه قال : " لا يصل أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد " أخرجه النسائي بإسناد صحيح من قوله . وروى مثله عبد الرزاق عن ابن عمر من قوله ، وبما أخرجه عبد الرزاق عن عائشة أنها قالت : " لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم " قالوا : فلما أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ما روياه دل ذلك على أن العمل على خلاف ما روياه . قال في الفتح : وهذه قاعدة لهم معروفة ، إلا أن الآثار عن عائشة وابن عباس فيها مقال وليس فيها ما يمنع من الصيام إلا الأثر الذي عن عائشة وهو ضعيف جدا انتهى ، وهذا بناء من صاحب الفتح ، على أن لفظ حديث ابن عباس باللفظ الذي ذكره هنالك وهو أنه قال : كان لا يصوم أحد عن أحد ، ولكنه ذكره في التلخيص باللفظ الذي ذكرناه سابقا . والحق أن الاعتبار بما رواه الصحابي لا بما رآه ، والكلام في هذا مبسوط في الأصول . والذي روي مرفوعا صريح في الرد على المانعين ، وقد اعتذروا بأن المراد بقوله : " صام عنه وليه " أي فعل عنه ما يقوم مقام الصوم وهو الإطعام ، وهذا عذر بارد لا يتمسك به منصف في مقابلة الأحاديث الصحيحة ، ومن جملة أعذارهم أن عمل أهل المدينة على خلاف ذلك ، وهو عذر أبرد من الأول . ومن أعذارهم أن الحديث مضطرب ، وهذا إن تم لهم في حديث ابن عباس لم يتم في حديث عائشة ، فإنه لا اضطراب فيه بلا ريب وتمسك القائلون بأنه يجوز في النذر دون غيره بأن حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس مقيد فيحمل عليه ، ويكون المراد بالصيام صيام النذر . قال في الفتح : وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما ، فحديث ابن عباس صورة مستقلة يسأل عنها من وقعت له .

وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة ، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قال في آخره : " فدين الله أحق أن يقضى " انتهى . وإنما قال : إن حديث ابن عباس صورة مستقلة ، يعني أنه من التنصيص على بعض أفراد العام فلا يصلح لتخصيصه ولا لتقييده كما تقرر في الأصول قوله : ( صام عنه وليه ) لفظ البزار " فليصم عنه وليه إن شاء " قال في مجمع الزوائد : وإسناده حسن . قال في الفتح : اختلف المجيزون في المراد بقوله " وليه " فقيل كل قريب ، وقيل : الوارث خاصة . قيل : عصبته ، والأول أرجح ، والثاني قريب ، [ ص: 281 ] ويرد الثالث قصة المرأة التي سألت عن نذر أمها . قال : واختلفوا هل يختص ذلك بالولي لأن الأصل عدم النيابة في العبادة البدنية ولأنها عبادة لا يدخلها النيابة في الحياة ، فكذلك في الموت إلا ما ورد فيه الدليل ، فيقتصر على ما ورد ويبقى الباقي على الأصل وهذا هو الراجح . وقيل : لا يختص بالولي ، فلو أمر أجنبيا بأن يصوم عنه أجزأ ، وقيل : يصح استقلال الأجنبي بذلك وذكر الولي لكونه الغالب .

وظاهر صنيع البخاري اختيار هذا الأخير ، وبه جزم أبو الطيب الطبري ، وقواه بتشبيهه صلى الله عليه وسلم ذلك بالدين ، والدين لا يختص بالقريب انتهى . وظاهر الأحاديث أنه يصوم عنه وليه ، وإن لم يوص بذلك ، وأن من صدق عليه اسم الولي لغة أو شرعا أو عرفا صام عنه ولا يصوم عنه من ليس بولي ، ومجرد التمثيل بالدين لا يدل على أن حكم الصوم كحكمه في جميع الأمور قوله : ( وردها عليك الميراث ) فيه دليل على أنه يجوز لمن ملك قريبا له عينا من الأعيان ثم مات القريب بعد ذلك وورثه أن يتملك تلك العين ، وقد سبق الكلام على هذا في كتاب الزكاة قوله : ( قال حجي عنها ) فيه دليل على أنه يجوز للابن أن يحج عن أمه أو أبيه وإن لم يوص ، وسيأتي الكلام على ذلك في الحج إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية