صفحة جزء
باب ما جاء في استقبال رمضان باليوم واليومين وغير ذلك

1748 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه } . رواه الجماعة ) .

1749 - ( وعن معاوية قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر قبل شهر رمضان : الصيام يوم كذا وكذا ونحن متقدمون فمن شاء فليتقدم ، ومن شاء فليتأخر } رواه ابن ماجه ، ويحمل هذا على التقدم بأكثر من يومين ) .

1750 - ( وعن عمران بن حصين { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل : هل صمت من سرر هذا الشهر شيئا ؟ قال : لا ، فقال رسول الله : صلى الله عليه وسلم فإذا أفطرت رمضان فصم يومين مكانه } متفق عليه .

وفي رواية لهم " من سرر شعبان " ويحمل هذا على أن الرجل كانت له عادة بصيام سرر الشهر أو قد نذره )


. حديث معاوية في إسناده القاسم بن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن مولى بني أمية وفيه مقال ، والهيثم بن حميد وفيه أيضا مقال قوله : ( لا يتقدمن أحدكم . . . إلخ ) قال العلماء : معنى الحديث : " لا تستقبلوا رمضان بصيام على نية الاحتياط لرمضان " قال الترمذي : لما أخرج هذا الحديث العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يتعجل الرجل بصيام قبل دخول رمضان بمعنى رمضان انتهى . وإنما اقتصر على يوم أو يومين لأنه الغالب فيمن يقصد ذلك . وقد قطع كثير من الشافعية بأن ابتداء المنع من أول السادس عشر من [ ص: 308 ] شعبان . واستدلوا بحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا { إذا انتصف شعبان فلا تصوموا } أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان وغيره

وقال الروياني من الشافعية . يحرم التقدم بيوم أو يومين لحديث الباب ، ويكره التقدم من نصف شعبان للحديث الآخر . وقال جمهور العلماء : يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من شعبان ، وضعفوا الحديث الوارد في النهي عنه . وقد قال أحمد وابن معين : إنه منكر . وقد استدل البيهقي على ضعفه بحديث الباب ، وكذا صنع قبله الطحاوي واستظهر بحديث أنس مرفوعا { أفضل الصيام بعد رمضان شعبان } لكن إسناده ضعيف كما تقدم ، واستظهر أيضا بحديث عمران بن حصين المذكور في الباب لقوله فيه " من سرر شعبان والسرر بفتح السين المهملة ويجوز كسرها وضمها ، ويقال أيضا سرار بفتح أوله وكسره ، ورجح الفراء الفتح وهو من الاستسرار . قال أبو عبيدة والجمهور . والمراد بالسرر هنا آخر الشهر ، سميت بذلك لاستسرار القمر فيها وهي ليلة ثمان وعشرين وتسع وعشرين وثلاثين . ونقل أبو داود عن الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز أن سرره أوله . ونقل الخطابي عن الأوزاعي كالجمهور . وقيل : السرر وسط الشهر حكاه . أبو داود أيضا ورجحه بعضهم . ووجهه بأن السرر جمع سرة ، وسرة الشيء : وسطه . ويؤيده الندب إلى صيام البيض وهي وسط ، وإن لم يرد في صيام آخر الشهر ندب بل ورد فيه نهي خاص بآخر شعبان لمن صامه لأجل رمضان . ورجحه النووي بأن مسلما أفرد الرواية التي فيها سرة هذا الشهر عن بقية الروايات وأردف بها الروايات التي فيها الحض على صيام البيض وهي وسط الشهر كما تقدم . وقد قال الخطابي : إن بعض أهل العلم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سؤاله عن ذلك سؤال زجر وإنكار ; لأنه قد نهى أن يستقبل الشهر بيوم أو يومين . وتعقب بأنه لو أنكر ذلك لم يأمره بقضائه . وأجاب الخطابي باحتمال أن يكون الرجل أوجبها على نفسه ، فلذلك أمره بالوفاء وأن يقضي ذلك في شوال . وقال آخرون : فيه دليل على أن النهي عن تقدم رمضان بيوم أو يومين إنما هو لمن يقصد به التحري لأجل رمضان . وأما من لم يقصد ذلك فلا يتناوله النهي وهو خلاف ظاهر حديث النهي لأنه لم يستثن منه إلا من كانت له عادة . وقال القرطبي : الجمع بين الحديثين ممكن بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك ، وحمل الأمر على من له عادة ، وهذا هو الظاهر ، وقد استثنى من له عادة في حديث النهي بقوله : " إلا أن يكون رجل كان يصوم صوما فليصمه " فلا يجوز صوم النفل المطلق الذي لم تجر به عادة ، وكذلك يحمل حديث معاوية المذكور في الباب بعد ثبوته على من كان معتادا للصوم في ذلك الوقت . وأما قول المصنف : إنه يحمل على المتقدم بأكثر من يومين فغير ظاهر ; لأن حديث العلاء بن عبد الرحمن [ ص: 309 ] المتقدم يدل على المنع من صوم النصف الآخر من شعبان . وقد جمع الطحاوي بين حديث النهي وحديث العلاء بأن حديث العلاء محمول على من يضعفه الصوم

وحديث الباب مخصوص بمن يحتاط بزعمه لرمضان . قال في الفتح : وهو جمع حسن وقد اختلف في الحكمة في النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين ، فقيل هي التقوي بالفطر لرمضان ليدخل فيه بقوة ونشاط ، وفيه نظر لأن مقتضى الحديث أنه لو تقدمه بصوم ثلاثة أيام أو أربعة جاز . وقيل : الحكمة خشية اختلاط النفل بالفرض وفيه نظر لأنه يجوز لمن له عادة كما تقدم . وقيل : لأن الحكم معلق بالرؤية ، فمن تقدمه بيوم أو يومين فقد حاول الطعن في ذلك الحكم . قال في الفتح : وهذا هو المعتمد ، ولا يرد عليه صوم من اعتاد ذلك لأنه قد أذن له فيه ، وليس من الاستقبال في شيء ، ويلحق به القضاء والنذر لوجوبهما

قال بعض العلماء : يستثنى القضاء والنذر بالأدلة القطعية على وجوب الوفاء بهما فلا يبطل القطعي بالظني .

وفي حديث أبي هريرة بيان لمعنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الماضي " صوموا لرؤيته " فإن اللام فيه للتأقيت لا للتعليل . قال ابن دقيق العيد : ومع كونها محمولة على التأقيت فلا بد من ارتكاب مجاز ; لأن وقت الرؤية وهي الليل لا يكون محل الصوم ، وتعقبه الفاكهي بأن المراد بقوله : " صوموا " انووا الصيام والليل كله ظرف للنية . قال الحافظ : فوقع في المجاز الذي فر منه ; لأن الناوي ليس صائما حقيقة بدليل أنه يجوز له الأكل والشرب بعد النية إلى أن يطلع الفجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية