صفحة جزء
باب النهي عن صوم العيدين وأيام التشريق

1751 - ( عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه { نهى عن صوم يومين : يوم الفطر ، ويوم النحر } . متفق عليه .

وفي لفظ لأحمد والبخاري { لا صوم في يومين } ولمسلم { لا يصح الصيام في يومين } )


. وفي الباب عن عمر بن الخطاب وأبي هريرة وابن عمر بنحو حديث الباب وهي في صحيح البخاري ومسلم ، وتفرد به مسلم من حديث عائشة . قال النووي في شرح صحيح مسلم : وقد أجمع العلماء على تحريم صوم هذين اليومين بكل حال ، سواء صامهما عن نذر ؟ أو تطوع أو كفارة أو غير ذلك ، ولو نذر صومهما متعمدا لعينهما . قال الشافعي والجمهور لا ينعقد نذره ولا يلزمه قضاؤهما . وقال أبو حنيفة : ينعقد ويلزمه قضاؤهما ، قال : فإن صامهما أجزأه ، وخالف الناس كلهم في ذلك انتهى . بمثل قول أبي حنيفة [ ص: 310 ] قال المؤيد بالله والإمام يحيى . وقال زيد بن علي والهادوية : يصح النذر بصيامهما ويصوم في غيرهما ، ولا يصح صومه فيهما ، وهذا إذا نذر صومهما بعينهما كما تقدم .

وأما إذا نذر صوم يوم الاثنين مثلا فوافق يوم العيد ، فقال النووي : لا يجوز له صوم العيد بالإجماع ، قال : وهل يلزمه القضاء ؟ فيه خلاف للعلماء ، وفيه للشافعي قولان : أصحهما لا يجب قضاؤه ; لأن لفظه لم يتناول القضاء ، وإنما يجب قضاء الفرائض بأمر جديد على المختار عند الأصوليين ا هـ . والحكمة في النهي عن صوم العيدين أن فيه إعراضا عن ضيافة الله تعالى لعباده صرح بذلك أهل الأصول .

1752 - ( وعن كعب بن مالك : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه وأوس بن الحدثان أيام التشريق فناديا أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن ، وأيام منى أيام أكل وشرب } . رواه أحمد ومسلم ) .

1753 - ( { وعن سعد بن أبي وقاص قال : أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أنادي أيام منى إنها أيام أكل وشرب ولا صوم فيها ، يعني أيام التشريق } . رواه أحمد )

1754 - ( وعن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم خمسة أيام في السنة : يوم الفطر ويوم النحر ، وثلاثة أيام التشريق . } رواه الدارقطني .

وعن عائشة وابن عمر قالا : لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي . رواه البخاري . وله عنهما أنهما قالا : الصيام لمن تمتع بالعمرة إلى الحج إلى يوم عرفة ، فإن لم يجد هديا ولم يصم صام أيام منى ) .

حديث سعد بن أبي وقاص أخرجه أيضا البزار . قال في مجمع الزوائد : ورجالهما يعني أحمد والبزار رجال الصحيح . وحديث أنس في إسناده محمد بن خالد الطحان وهو ضعيف . وفي الباب عن عبد الله بن حذافة السهمي عند الدارقطني بلفظ : { لا تصوموا في هذه الأيام فإنها أيام أكل وشرب وبعال يعني أيام منى } ، وفي إسناده الواقدي وعن أبي هريرة عند الدارقطني ، وفي إسناده سعد بن سلام وهو قريب من الواقدي .

وفيه أن المنادي بديل بن ورقاء . وأخرجه أيضا ابن ماجه من وجه آخر وابن حبان . وعن ابن عباس عند الطبراني بنحو حديث عبد الله بن حذافة ، وفيه " والبعال وقاع النساء " وفي [ ص: 311 ] إسناده إسماعيل بن أبي حبيب وهو ضعيف . وعن عمر بن خلدة عن أبيه عند أبي يعلى وعبد بن حميد وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه بنحوه ، وفي إسناده موسى بن عبيدة الرابذي وهو ضعيف . وعن ابن مسعود بن الحكم عن أمه عند النسائي { أنها رأت وهي بمنى في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبا يصيح يقول : يا أيها الناس إنها أيام أكل وشرب ونساء وبعال وذكر الله ، قالت : فقلت : من هذا ؟ فقالوا : علي بن أبي طالب } وأخرجه البيهقي من هذا الوجه لكن قال : إن جدته حدثته وأخرجه ابن يونس في تاريخ مصر من طريق يزيد بن الهاد عن عمرو بن سليم الزرقي عن أمه قال يزيد : فسألت عنها ، فقيل : إنها جدته . وعن نبيشة الهذلي عند مسلم في صحيحه بلفظ : { أيام التشريق أيام أكل وشراب } وأخرجه ابن حبان عن أبي هريرة بنحوه . وأخرجه النسائي عن بشر بن سحيم بنحوه . وعن عقبة بن عامر عند أصحاب السنن وابن حبان والحاكم والبزار بلفظ : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيام التشريق أيام أكل وشرب وصلاة فلا يصومها أحد } وعن عمرو بن العاص عند أبي داود : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بإفطارها وينهى عن صيامها } . وقد استدل بهذه الأحاديث على تحريم أيام التشريق ، وفي ذلك خلاف بين الصحابة فمن بعدهم . قال في الفتح : وقد روى ابن المنذر وغيره عن الزبير بن العوام وأبي طلحة من الصحابة الجواز مطلقا

. وعن علي عليه السلام وعبد الله بن عمرو بن العاص المنع مطلقا ، وهو المشهور عن الشافعي . وعن ابن عمر وعائشة وعبيد بن عمير وآخرين منعه إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي ، وهو قول مالك والشافعي في القديم . وعن الأوزاعي وغيره أيضا يصومها المحصر والقارن انتهى . واستدل القائلون بالمنع مطلقا بأحاديث الباب التي لم تقيد بالجواز للمتمتع . واستدل القائلون بالجواز للمتمتع بحديث عائشة وابن عمر المذكور في الباب ، وهذه الصيغة لها حكم الرفع ، وقد أخرجه الدارقطني والطحاوي بلفظ : { رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتمتع إذا لم يجد الهدي أن يصوم أيام التشريق } وفي إسناده يحيى بن سلام وليس بالقوي ، ولكنه يؤيد ذلك عموم الآية . قالوا : وحمل المطلق على المقيد واجب ، وكذلك بناء العام على الخاص وهذا أقوى المذاهب . وأما القائل بالجواز مطلقا فأحاديث الباب جميعا ترد عليه . قال في الفتح : وقد اختلف في كونها ، يعني أيام التشريق يومين أو ثلاثة . قال : وسميت أيام التشريق لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها : أي تنشر في الشمس . وقيل : لأن الهدي لا ينحر حتى تشرق الشمس . وقيل : لأن صلاة العيد تقع عند شروق الشمس ، وقيل : التشريق : التكبير دبر كل صلاة انتهى . وحديث أنس المذكور في الباب يدل على أنها ثلاثة أيام بعد يوم النحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية