صفحة جزء
[ ص: 160 ] باب ما جاء في كراهية القزع والرخصة في حلق الرأس

151 - ( عن نافع عن ابن عمر قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القزع ، فقيل لنافع : ما القزع ؟ قال : أن يحلق بعض رأس الصبي ويترك بعض } . متفق عليه ) .


وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه وذكر أبو داود في سننه بعد ذكره تفسير القزع بمثل ما في المتن تفسيرا آخر فقال { : إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع وهو أن يحلق الصبي ويترك له ذؤابة } وهذا لا يتم لأنه قد أخرج أبو داود نفسه من حديث أنس بن مالك قال { : كانت لي ذؤابة فقالت لي أمي : لا أجزها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدها ويأخذ بها } وفسر القزع في القاموس بحلق رأس الصبي وترك مواضع منه متفرقة غير محلوقة تشبيها بقزع السحاب ، بعد أن ذكر أن القزع قطع من السحاب الواحدة بهاء .

وقال في شرح مسلم بعد أن ذكر تفسير ابن عمر : وهذا الذي فسره به نافع وعبيد الله هو الأصح قال : والقزع : حلق بعض الرأس مطلقا ، ومنهم من قال : هو حلق مواضع متفرقة منه ، والصحيح الأول لأنه تفسير الراوي ، وهو غير مخالف للظاهر فوجب العمل به ، وفي البخاري في تفسير القزع قال : فأشار لنا عبيد الله إلى ناصيته وجانبي رأسه ، وقال : إذا حلق رأس الصبي ترك ههنا شعر وههنا شعر قال عبيد الله : أما القصة والقفا للغلام فلا بأس بهما ، وكل خصلة من الشعر قصة سواء كانت متصلة بالرأس أو منفصلة ، والمراد بها هنا شعر الناصية يعني أن حلق القصة وشعر القفا خاصة لا بأس به . وقال : النووي : المذهب كراهيته مطلقا كما سيأتي .

وأخرج أبو داود من حديث أنس قال { : كان لي ذؤابة فقالت أمي : لا أجزها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمدها ويأخذ بها } .

وأخرج النسائي بسند صحيح عن زياد بن حصين عن أبيه أنه { أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده على ذؤابته وسمت عليه ودعا له } .

ومن حديث ابن مسعود وأصله في الصحيحين قال { : قرأت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لمع الغلمان له ذؤابتان } ويمكن الجمع بأن الذؤابة الجائز اتخاذها ما انفرد من الشعر فيرسل ، ويجمع ما عداها بالضفر وغيره ، والتي تمنع أن يحلق الرأس كله ويترك ما في وسطه فيتخذ ذؤابة ، وقد صرح الخطابي بأن هذا مما يدخل في معنى القزع انتهى من الفتح .

والحديث يدل على المنع من القزع قال النووي : وأجمع العلماء على كراهة القزع كراهة تنزيه ، وكرهه مالك في الجارية والغلام مطلقا ، وقال بعض أصحابه : لا بأس به للغلام ، ومذهبنا كراهته مطلقا للرجل والمرأة لعموم الحديث ، قال العلماء : والحكمة في كراهته أنه يشوه الخلق ; وقيل : لأنه [ ص: 161 ] زي أهل الشرك . وقيل : لأنه زي اليهود ، وقد جاء هذا مصرحا به في رواية لأبي داود انتهى ، ولفظه في سنن أبي داود أن الحجاج بن حسان قال : ( دخلنا على أنس بن مالك فحدثتني أختي المغيرة قالت : وأنت يومئذ غلام ولك قرنان أو قصتان فمسح رأسك وبرك عليك وقال احلقوا هذين أو قصوهما فإن هذا زي اليهود )

152 - ( وعن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك ، وقال : احلقوا كله أو ذروا كله } رواه أحمد وأبو داود والنسائي بإسناد صحيح ) . قال المنذري : وأخرجه مسلم بالإسناد الذي أخرجه أبو داود ولم يذكر لفظه وذكر أبو مسعود الدمشقي في تعليقه أن مسلما أخرجه بهذا اللفظ .

والحديث يدل على المنع من حلق بعض الرأس وترك بعضه ، وقد سبق الكلام عليه في الذي قبله وهو مؤيد لتفسير القزع بما فسره به ابن عمر في الحديث السابق ، وفيه دليل على جواز حلق الرأس جميعه قال الغزالي : لا بأس به لمن أراد التنظيف وفيه رد على من كرهه لما رواه الدارقطني في الإفراد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { : لا توضع النواصي إلا في حج أو عمرة } ولقول عمر لضبيع : لو وجدتك محلوقا لضربت الذي فيه عيناك بالسيف .

ولحديث الخوارج إن سيماهم التحليق ، قال أحمد : إنما كرهوا الحلق بالموسى أما بالمقراض فليس به بأس لأن أدلة الكراهة تختص بالحلق .

153 - ( وعن عبد الله بن جعفر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ثم أتاهم ، فقال : لا تبكوا على أخي بعد اليوم ادعوا لي بني أخي ، قال : فجيء بنا كأننا أفرخ فقال : ادعوا لي الحلاق قال : فجيء بالحلاق فحلق رءوسنا . } رواه أحمد وأبو داود والنسائي ) الحديث إسناده حسن ، وقد سكت عنه أبو داود والمنذري لذلك ، ورجال إسناده عند أبي داود ثقات وأما عند النسائي فشيخه فيه مقال والبقية ثقات .

قوله : ( كأننا أفرخ ) جمع فرخ وهو صغير ولد الطير . ووجه التشبيه أن شعرهم يشبه زغب الطير وهو أول ما يطلع من ريشه . والحديث يدل على أن الكبير من أقارب الأطفال يتولى أمرهم وينظر في مصالحهم وهو يدل على الترخيص في حلق جميع الرأس ، ولكن في حق الرجال ، [ ص: 162 ] وأما النساء فقد أخرج النسائي من حديث علي رضي الله عنه قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تحلق المرأة رأسها } ويدل على الترخيص للرجال أيضا الحديث الذي قبل هذا لأنه أمر بحلقه كله أو تركه كله .

التالي السابق


الخدمات العلمية