صفحة جزء
باب صحة حج الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما

1807 - ( عن ابن عباس { : أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال : من القوم ؟ قالوا : المسلمون ، فقالوا من أنت ؟ فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : فرفعت إليه امرأة صبيا ، فقالت ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر } رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ) .

1808 - ( وعن السائب بن يزيد قال : { حج أبي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين } . رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه ) .

1809 - ( وعن جابر قال : { حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم معنا النساء والصبيان ، فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم } . رواه أحمد وابن ماجه ) .

1810 - ( وعن محمد بن كعب القرظي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أدرك فعليه الحج ، وأيما رجل مملوك حج به أهله فمات أجزأت عنه ، فإن أعتق فعليه الحج } ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله هكذا مرسلا )


. [ ص: 348 ] حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة ، وفي إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف ، ورواه الترمذي من هذا الوجه بلفظ آخر قال : " كنا إذا حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان " قال ابن القطان : ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب ، فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها ، أجمع على ذلك أهل العلم . وأخرج الترمذي أيضا من حديث جابر نحو حديث ابن عباس واستغربه ، وحديث محمد بن كعب أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل ، وفيه راو مبهم .

وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري : { أنه بعثه صلى الله عليه وسلم في الثقل } بفتح المثلثة والقاف ، ويجوز إسكانها : أي الأمتعة . ووجه الدلالة منه أن ابن عباس كان دون البلوغ . استدل بأحاديث الباب من قال : إنه يصح حج الصبي . قال ابن بطال : أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور .

وقال أبو حنيفة : لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإحرام ، وإنما يحج به على جهة التدريب ، وشذ بعضهم فقال : إذا حج الصبي أجزأ ذلك عن حجة الإسلام لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم نعم في جواب قولها " ألهذا حج ؟ " وإلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة ذهبت الهادوية . وقال الطحاوي : لا حجة في قوله صلى الله عليه وسلم نعم ، على أنه يجزئه عن حجة الإسلام ، بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له ، قال : لأن ابن عباس راوي الحديث قال { : أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى } ، ثم ساقه بإسناد صحيح وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال : على شرطهما ، والبيهقي وابن حزم وصححه . وقال ابن خزيمة : الصحيح موقوف وأخرجه كذلك . قال البيهقي : تفرد برفعه محمد بن المنهال ، ورواه الثوري عن شعبة موقوفا ، ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحارث بن شريح ، أخرجه كذلك الإسماعيلي والخطيب ، ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره ، وهو ظاهر في الرفع وقد أخرج ابن عدي من حديث جابر بلفظ : " لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى " ومثل هذا حديث محمد بن كعب المذكور في الباب

، فيؤخذ من مجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة الإسلام إذا بلغ ، وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة

قال القاضي عياض : أجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت فقالت : يجزئه لقوله : نعم . وظاهره استقامة كون حج الصبي حجا مطلقا . والحج إذا أطلق تبادر منه إسقاط الواجب ، ولكن العلماء ذهبوا إلى خلافه ، لعل مستندهم حديث ابن عباس ، يعني المتقدم . قال : وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحج . قال النووي : وهو مردود لا يلتفت إليه لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإجماع الأمة [ ص: 349 ] على خلافه انتهى . وقد احتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس الذي ذكره المصنف رحمه الله على أن الأم تحرم عن الصبي . وقال ابن الصباغ : ليس في الحديث دلالة على ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية