صفحة جزء
باب إدخال الحج على العمرة

1854 - ( عن نافع قال : { أراد ابن عمر الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير ، فقيل له : إن الناس كائن بينهم قتال فنخاف أن يصدوك فقال : { لقد كان لكم في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة } . إذن أصنع كما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ، ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال : ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي ، وأهدى هديا مقلدا اشتراه بقديد ، [ ص: 375 ] وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ، ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ، ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، ثم قال : هكذا صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - . } متفق عليه )


. قوله : ( حجة الحرورية ) هم الخوارج ، ولكنهم حجوا في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية سنة أربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة ، ونزل الحجاج بابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير ، فإما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق ، وإما أن يحمل على تعدد القصة ، وأن الحرورية حجت سنة أخرى ، ولكنه يؤيد الأول ما في بعض طرق البخاري من طريق الليث عن نافع بلفظ " حين نزل الحجاج بابن الزبير " وكان لمسلم من رواية يحيى القطان . قوله : ( كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في رواية للبخاري " كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " قوله : ( أشهدكم أني قد أوجبت عمرة ) يعني من أجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أهل بعمرة عام الحديبية . قال النووي : معناه إن صددت عن البيت أو حصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي - صلى الله عليه وسلم - من العمرة .

وقال عياض : يحتمل أن المراد أنه أوجب عمرة كما أوجب النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أنه أراد الأمرين من الإيجاب والإحلال . قال الحافظ : وهذا هو الأظهر .

قوله : ( ما شأن الحج والعمرة إلا واحد ) يعني فيما يتعلق بالإحصار والإحلال . قوله : ( ولم يزد على ذلك ) هذا يقتضي أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة وهو مشكل . وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه .

وفي الحديث فوائد منها ما بوب له المصنف من جواز الحج على العمرة ، وإليه ذهب الجمهور لكن بشرط أن يكون الإدخال قبل الشروع في طواف العمرة ، وقيل : إن كان قبل مضي أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية ، وقيل : ولو بعد تمام الطواف وهو قول المالكية . ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع إدخال الحج على العمرة قياسا على منع إدخال العمرة على الحج . ومنها أن القارن يقتصر على طواف واحد

ومنها أن القارن يهدي ، وشذ ابن حزم فقال : لا هدي على القارن . ومنها جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجا السلامة ، قاله ابن عبد البر . ومنها أن الصحابة كانوا يستعملون القياس ويحتجون به .

1855 - ( وعن جابر أنه قال : { أقبلنا مهلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحج مفرد ، [ ص: 376 ] وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت حتى إذا قدمنا مكة طفنا بالكعبة والصفا والمروة ، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي ، قال : فقلنا : حل ماذا ؟ قال الحل كله ، فواقعنا النساء ، وتطيبنا بالطيب ، ولبسنا ثيابنا ، وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال ، ثم أهللنا يوم التروية ، ثم دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عائشة فوجدها تبكي ، فقال : ما شأنك ؟ قالت : شأني أني قد حضت ، وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن ، فقال : إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ، ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال : قد حللت من حجتك وعمرتك جميعا ، فقالت : يا رسول الله إني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت ، قال : فاذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم ، وذلك ليلة الحصبة } . متفق عليه )

قوله : ( بحج مفرد ) استدل به من قال : إن حجه صلى الله عليه وسلم كان مفردا وليس فيه ما يدل على ذلك ; لأن غاية ما فيه أنهم أفردوا الحج مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أفرد الحج ، ولو سلم أنه يدل على ذلك فهو مؤول بما سلف ، قوله : ( عركت ) بفتح العين المهملة والراء : أي : حاضت ، يقال : عركت تعرك عروكا كقعدت تقعد قعودا .

قوله : ( حل ماذا ) بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام ، وحذف التنوين للإضافة ، وما استفهامية : أي الحل من أي شيء ذا ، وهذا السؤال من جهة من جوز أنه حل من بعض الأشياء دون بعض . قوله : ( الحل كله ) أي : الحل الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الإحرام بعد التحلل المأمور به قوله : ( ثم أهللنا يوم التروية ) هو اليوم الثامن من ذي الحجة قوله : ( أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ) . . . إلخ ، هذا الغسل قيل : هو الغسل للإحرام ، ويحتمل أن يكون الغسل من الحيض . قوله : ( حتى إذا طهرت ) بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح .

قوله : ( من حجتك وعمرتك ) هذا تصريح بأن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها ، وأن ما وقع في بعض الروايات من قوله : " ارفضي عمرتك " وفي بعضها " دعي عمرتك " متأول . قال النووي : إن قوله : " حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة ، ثم قال : قد حللت من حجتك وعمرتك " يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة . إحداها : أن عائشة كانت قارنة ولم تبطل عمرتها ، وأن الرفض المذكور متأول . الثانية : أن القارن يكفيه طواف واحد ، وهو مذهب الشافعي والجمهور . وقال أبو حنيفة وطائفة : يلزمه طوافان وسعيان . الثالثة : أن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح . وموضع الدلالة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير [ ص: 377 ] الطواف بالبيت ، ولم تسع كما لم تطف ; فلو لم يكن السعي متوقفا على تقدم الطواف عليه لما أخرته . قال : واعلم أن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع ، وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة إحدى عشرة ، ذكر أبو محمد بن حزم في كتابه حجة الوداع قوله : ( فاذهب بها يا عبد الرحمن . . . إلخ ) قد تقدم شرح هذا في أول كتاب الحج ، والحديث ساقه المصنف رحمه اللهللاستدلال به على جواز إدخال الحج على العمرة ، وقد تقدم ما فيه من الخلاف والاشتراط ، وللحديث فوائد يأتي ذكرها في مواضعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية