صفحة جزء
باب ما يقتل من الدواب في الحرم والإحرام

1921 - ( عن عائشة قالت : { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم : الغراب والحدأة والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور } . متفق عليه ) .

1922 - ( وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : الغراب والحدأة ، والعقرب ، والفأرة ، والكلب العقور } . رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ : خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والإحرام : الفأرة ، والعقرب ، والغراب . والحديا ، والكلب العقور . رواه أحمد ومسلم والنسائي ) .

1923 - ( وعن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر محرما بقتل حية بمنى } . رواه مسلم ) .

1924 - ( وعن ابن عمر { وسئل : ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم ؟ فقال : حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم : أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور ، والفأرة ، والعقرب ، والحدأة ، والغراب ، والحية } . رواه مسلم ) [ ص: 33 ]

1925 - ( وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم { قال : خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ويقتلن في الحرم : الفأرة ، والعقرب ، والحية والكلب العقور ، والغراب } . رواه أحمد ) حديث ابن عباس أورده في التلخيص وسكت عنه وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس .


قوله : ( خمس ) ذكر الخمس يفيد بمفهومه نفي هذا الحكم عن غيرها ولكنه ليس بحجة عند الأكثر وعلى تقدير اعتباره فيمكن أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس تشترك معها في ذلك الحكم فقد ورد زيادة الحية وهي سادسة كما في حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود وحديث ابن عباس المذكورة في الباب وزاد أبو داود من حديث أبي سعيد السبع العادي وزاد ابن خزيمة وابن المنذر من حديث أبي هريرة الذئب والنمر فصارت تسعا قال في الفتح : لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور قال : ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب قال : قال صلى الله عليه وسلم : { يقتل المحرم الحية والذئب } ورجاله ثقات وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطاة عن وبرة عن ابن عمر { أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل الذئب للمحرم } وحجاج ضعيف وقد خولف وروي موقوفا كما أخرجه ابن أبي شيبة .

قوله : ( خمس فواسق ) قال النووي هو بإضافة خمس لا تنوينه وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني قال النووي : تسميته هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية وفق اللغة فإن أصل الفسق لغة : الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرها فوصفت بذلك لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله أو حل أكله أو خروجها بالإيذاء والإفساد قوله : في الحل والحرم ورد في لفظ عند مسلم أمر وعند أبي عوانة ليقتل المحرم وظاهر الأمر الوجوب ويحتمل الندب والإباحة وقد روى البزار من حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتل العقرب والفأرة والحية والحدأة وهذا الأمر ورد بعد نهي المحرم عن القتل ، وفي الأمر الوارد بعد النهي خلاف معروف في الأصول : هل يفيد الوجوب أو لا ؟ وفي لفظ لمسلم أذن .

وفي لفظ لأبي داود قتلهن حلال للمحرم قوله : ( الغراب ) هذا الإطلاق مقيد بما عند مسلم من حديث عائشة بلفظ الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا وقد اعتذر ابن بطال وابن عبد البر عن قبول [ ص: 34 ] هذه الزيادة بأنها لا تصح ; لأنها من رواية قتادة وهو مدلس ، وتعقب ذلك الحافظ بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذه الزيادة من رواية شعبة بل صرح النسائي بسماع قتادة واعتذر ابن قدامة عن هذه الزيادة بأن الروايات المطلقة أصح وهو اعتذار فاسد ; لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض بين مطلق ومقيد ولا بين مزيد وزيادة غير منافية قال في الفتح : وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له : غراب الزرع ، وأفتوا بجواز أكله فبقي ما عداه من الغربان ملحقا بالأبقع انتهى .

قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا عطاء قال الخطابي : لم يتابع أحد عطاء على هذا قوله : ( والحدأة ) بكسر الحاء المهملة وفتح الدال بعدها همزة بغير مد على وزن عنبة وحكى صاحب المحكم فيه المد .

قوله : ( والعقرب ) قال في الفتح : هذا اللفظ للذكر والأنثى وقد يقال : عقربة وعقرباء وليس منها العقربان بل هي ذؤيبة طويلة كثيرة القوائم قال ابن المنذر : لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب . قوله : ( والفأرة ) بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل قال في الفتح : ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكي عن إبراهيم النخعي فإنه قال : فيها جزاء إذا قتلها المحرم ، أخرجه عنه ابن المنذر وقال : هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم قوله : ( والكلب العقور ) اختلف في المراد بالكلب العقور فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة بإسناد حسن كما قال الحافظ : إنه الأسد .

وعن زيد بن أسلم أنه قال : وأي كلب أعقر من الحية وقال زفر : المراد به هنا الذئب خاصة . وقال في الموطأ : كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو عقور . وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور ، وقال أبو حنيفة : المراد به هنا الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب احتج الجمهور بقوله تعالى : { وما علمتم من الجوارح مكلبين } فاشتقها من اسم الكلب وبقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد أخرجه الحاكم بإسناد حسن وغاية ما في ذلك جواز الإطلاق لا أن اسم الكلب هنا متناول لكل ما يجوز إطلاقه عليه وهو محل النزاع فإن قيل : اللام في الكلب تفيد العموم قلنا : بعد تسليم ذلك لا يتم إلا إذا كان إطلاق الكلب على كل واحد منها حقيقة وهو ممنوع والسند أنه لا يتبادر عند إطلاق لفظ الكلب إلا الحيوان المعروف ، والتبادر علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز ، والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز ، نعم إلحاق ما عقر من السباع بالكلب العقور بجامع العقر صحيح وأما أنه داخل تحت لفظ الكلب فلا . قوله : ( من الدواب ) بتشديد الباء الموحدة جمع دابة وهي ما دب من الحيوان من غير فرق بين الطير وغيره ومن أخرج الطير من الدواب فهذا الحديث [ ص: 35 ] من جملة ما يرد به عليه قوله : ( والحديا ) بضم أوله وتشديد الياء التحتانية مقصورا وهي لغة حجازية قال قاسم بن ثابت الوجه الهمزة وكأنه سهل ثم أدغم قوله : ( والحية ) قال نافع لما قيل له فالحية ؟ قال : لا يختلف فيها .

وفي رواية : ومن يشك فيها ؟ وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحكم وحماد أنهما قالا : لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب ، والأحاديث ترد عليهما ، وعند المالكية خلاف في قتل صغار الحيات والعقارب التي لا تؤذي .

التالي السابق


الخدمات العلمية