صفحة جزء
باب المسير من منى إلى عرفة والوقوف بها وأحكامه

1993 - ( عن محمد بن أبي بكر بن عوف قال : { سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : كان يلبي الملبي فلا ينكر عليه ، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه . } متفق عليه ) .

1994 - ( وعن ابن عمر قال : { غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم من منى حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة . } رواه أحمد وأبو داود ) .

1995 - ( وعن { عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة ، فقلت : يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ أكللت راحلتي وأتعبت نفسي ، والله ما تركت من حبل إلا وقفت عليه فهل [ ص: 70 ] لي من حج ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه } رواه الخمسة وصححه الترمذي وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف ) .


حديث ابن عمر في إسناده محمد بن إسحاق وفيه كلام معروف قد تقدم ، ولكنه قد صرح هنا بالتحديث وبقية رجال إسناده ثقات .

وحديث عروة بن مضرس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه الحاكم والدارقطني والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما . قوله : ( ونحن غاديان ) أي : : ذاهبان غدوة . قوله : ( كيف كنتم تصنعون ) أي : من الذكر

وفي رواية لمسلم " ما يقول في التلبية في هذا اليوم " قوله : فلا ينكر عليه بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية للبخاري " لا يعيب أحدنا على صاحبه " والحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية لتقريره صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك . قوله : ( غدا ) بالغين المعجمة أي : : سار غدوة . قوله : ( حين صلى الصبح ) ظاهره أنه توجه من منى حين صلى الصبح بها ولكن قد تقدم في حديث جابر المذكور في الباب الذي قبل هذا أنه كان بعد طلوع الشمس . قوله : ( وهو منزل الإمام ) . . . إلخ قال ابن الحجاج المالكي وهذا الموضع يقال له : الأراك قال الماوردي : يستحب أن ينزل بنمرة حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات .

قوله : ( راح ) أي : بعد زوال الشمس . قوله : ( مهجرا ) بتشديد الجيم المكسورة قال الجوهري : التهجير والتهجر : السير في الهاجرة ، والهاجرة : نصف النهار ، وعند اشتداد الحر ، والتوجه وقت الهاجرة في ذلك اليوم سنة لما يلزم من تعجيل الصلاة ذلك اليوم وقد أشار البخاري إلى هذا الحديث في صحيحه فقال : باب التهجير بالرواح يوم عرفة أي : من نمرة . قوله : ( فجمع بين الظهر والعصر ) قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الإمام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك من صلى مع الإمام وذكر أصحاب الشافعي أنه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه ستة عشر فرسخا إلحاقا له بالقصر قال : وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال : أتموا فإنا سفر ولو حرم الجمع لبينه لهم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال : ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة والمزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره

قوله : ( ثم خطب الناس ) فيه دليل على أنه صلى الله عليه وسلم خطب بعد الصلاة قوله : ( ابن مضرس ) بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة . قوله : ( ابن لام ) هو بوزن حام . قوله : من [ ص: 71 ] جبلي طيئ هما جبل سلمى . وجبل أجا ، قاله المنذري وطيئ بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة . قوله : ( أكللت ) أي : أعييت . قوله : ( من حبل ) بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع قاله الجوهري . قوله : ( صلاتنا هذه ) يعني : صلاة الفجر . قوله : ( ليلا أو نهارا فقد تم حجه ) تمسك بهذا أحمد بن حنبل فقال : وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم العيد ; لأن لفظ الليل والنهار مطلقان . وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدا لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه . قوله : ( وقضى تفثه ) قيل : المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك .

والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الإبط وغيره من خصال الفطرة ، ويدخل في ضمن ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك ; لأنه لا يقضي التفث إلا بعد ذلك ، وأصل التفث : الوسخ والقذر

1996 - ( وعن عبد الرحمن بن يعمر أن { ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة فسألوه فأمر مناديا ينادي : الحج عرفة ، من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك . أيام منى ثلاثة أيام ; فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه ، وأردف رجلا ينادي بهن } رواه الخمسة ) .

1997 - ( وعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { نحرت هاهنا ومنى كلها منحر فانحروا في رحالكم ، ووقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف ، ووقفت هاهنا ، وجمع كلها موقف } رواه أحمد ومسلم وأبو داود ، ولابن ماجه وأحمد أيضا نحوه ، وفيه : { وكل فجاج مكة طريق ومنحر } ) حديث عبد الرحمن بن يعمر أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي

قوله : ( فسألوه ) أي : : قالوا : كيف حج من لم يدرك يوم عرفة كما بوب عليه البخاري . قوله : ( الحج عرفة ) أي : : الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة . قال الترمذي : قال سفيان الثوري : والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب [ ص: 72 ] النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر فقد فاته الحج ، ولا يجزئ عنه إن جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها عمرة وعليه الحج من قابل ، وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما .

قوله : ( من جاء ليلة جمع ) أي : ليلة المبيت بالمزدلفة ، وظاهره أنه يكفي الوقوف في جزء من أرض عرفة ولو في لحظة لطيفة في هذا الوقت ، وبه قال الجمهور : وحكى النووي قولا أنه لا يكفي الوقوف ليلا ، ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج ، والأحاديث الصحيحة ترده قوله : ( أياممنى ) مرفوع على الابتداء وخبره قوله : ( ثلاثة أيام ) وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر ، وليس يوم النحر منها لإجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر ، ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في ثانيه

قوله : ( فمن تعجل في يومين ) أي : من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها فلا إثم عليه في تعجيله ، ومن تأخر عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث فلا إثم عليه في تأخيره وقيل : المعنى : ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه ، والتخيير ههنا وقع بين الفاضل والأفضل ; لأن المتأخر أفضل فإن قيل : إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل ألحق به ؟ فالجواب : أن المراد من عمل بالرخصة وتعجل فلا إثم عليه في العمل بالرخصة .

ومن ترك الرخصة وتأخر فلا إثم عليه في ترك الرخصة وذهب بعضهم إلى أن المراد وضع الإثم عن المتعجل دون المتأخر ، ولكن ذكرا معا والمراد أحدهما قوله : ( ينادي بهن ) أي : بهذه الكلمات

قوله : نحرت هاهنا ومنى كلها منحر يعني : كل بقعة منها يصح النحر فيها ، وهو متفق عليه ، لكن الأفضل النحر في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وسلم كذا قال الشافعي ومنحر النبي صلى الله عليه وسلم هو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى ، كذا قال ابن التين . وحد منى من وادي محسر إلى العقبة قوله : ( في رحالكم ) المراد بالرحال المنازل قال أهل اللغة : رحل الرجل : منزله ، سواء كان من حجر أو مدر أو شعر أو وبر

قوله : ( ووقفت هاهنا ) يعني : عند الصخرات ، وعرفة كلها موقف يصح الوقوف فيها وقد أجمع العلماء على أن من وقف في أي جزء كان من عرفات صح وقوفه ولها أربعة حدود : حد إلى جادة طريق المشرق ، والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء أرضها ، والثالث إلى البساتين التي تلي قرنيها على يسار مستقبل الكعبة والرابع وادي عرنة بضم العين وبالنون وليست هي نمرة ولا من عرفات ولا من الحرم

قوله : ( وجمع كلها موقف ) جمع بإسكان الميم : هي المزدلفة كما تقدم وفيه دليل على أنها كلها موقف كما أن عرفات كلها موقف قوله : ( وكل فجاج مكة طريق ) الفجاج بكسر الفاء : جمع فج ، وهو الطريق الواسعة ، والمراد أنها طريق من سائر الجهات [ ص: 73 ] والأقطار التي يقصدها الناس للزيارة والإتيان إليها من كل طريق واسع ، وهذا متفق عليه ولكن الأفضل الدخول إليها من الثنية العليا التي دخل منها النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ، وهذه الزيادة رواها أبو داود كما رواها أحمد وابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية