صفحة جزء
باب اكتفاء القارن لنسكيه بطواف واحد وسعي واحد 2032 - ( عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قرن بين حجه وعمرته أجزأه لهما طواف واحد } رواه أحمد وابن ماجه وفي لفظ : { من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا } رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب ، وفيه دليل على وجوب السعي ووقوف التحلل عليه ) .

2033 - ( وعن عروة عن عائشة قالت : { خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا ، فقدمت وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة ، فشكوت ذلك إليه ، فقال : انقضي رأسك وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة ، قالت ففعلت ، فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت ، فقال : هذه مكان عمرتك قالت : فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم حلوا ، ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم ، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا } متفق عليه ) [ ص: 93 ]

2034 - ( وعن طاوس عن عائشة { أنها أهلت بالعمرة فقدمت ولم تطف بالبيت حين فنسكت المناسك كلها وقد أهلت بالحج ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم يوم النفر : يسعك طوافك لحجك وعمرتك ، فأبت ، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم فاعتمرت بعد الحج } رواه أحمد ومسلم ) .

2035 - ( وعن مجاهد { عن عائشة أنها حاضت بسرف ، فتطهرت بعرفة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجزي عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك } رواه مسلم )


، وفيه تنبيه على وجوب السعي حديث ابن عمر أخرجه أيضا سعيد بن منصور مرفوعا بلفظ : { من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد } وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه ، وأن الصواب أنه موقوف ، وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى بن عقبة وغير واحد عن نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، لا أنه روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الفتح : وهو تعليل مردود ، فالدراوردي صدوق ، وليس ما رواه مخالفا لما رواه غيره فلا مانع من أن يكون الحديث عن نافع على الوجهين .

وفي الباب عن جابر عند مسلم وأبي داود بلفظ : { لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا } وأخرج عبد الرزاق عن طاوس بإسناد صحيح أنه حلف ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجته وعمرته إلا طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا بعد أن قال : إنه سيفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج عنه من وجه آخر أنه { رأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول ، يعني : الذي طاف يوم النحر للإفاضة ، وقال : كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم } وبهذه الأدلة تمسك من قال : إنه يكفي القارن لحجته وعمرته طواف واحد وسعي واحد وهو مالك والشافعي وإسحاق وداود وهو محكي عن ابن عمر وجابر وعائشة ، كذا قال النووي ، وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والهادي والناصر .

قال النووي : وهو محكي عن علي بن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود والشعبي والنخعي أنه يلزم القارن طوافان وسعيان وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة متعسفة : منها ما سلف عن الطحاوي على حديث ابن عمر ، ومنها جوابه [ ص: 94 ] عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها : جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران ، وهذا مما يتعجب منه ، فإن حديث عائشة مصرح بفصل من تمتع ممن قرن ، وما يفعله كل واحد منهما كما في حديث الباب المذكور ، فإنها قالت : فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة ثم قالت : وأما الذين جمعوا . . . إلخ واستدلوا على ما ذهبوا إليه بما أخرجه عبد الرزاق والدارقطني وغيرهما عن علي عليه السلام { أنه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعى لهما سعيين ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال الحافظ : وطرقه ضعيفة ، وكذا روي نحوه من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف ومن حديث ابن عمر بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك قال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة في ذلك شيء أصلا . وتعقبه في الفتح بأنه قد روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك بأسانيد لا بأس بها انتهى .

فينبغي أن يصار إلى الجمع كما قال البيهقي : إن ثبتت الرواية أنه طاف طوافين فيحمل على طواف القدوم وطواف الإفاضة . وأما السعي مرتين فلم يثبت انتهى . على أنه يضعف ما روي عن علي عليه السلام ما في الفتح من أنه قد روى آل بيته عنه مثل الجماعة .

قال جعفر بن محمد الصادق عن أبيه : إنه كان يحفظ عن علي للقارن طوافا واحدا ، خلاف ما يقول أهل العراق ومما يضعف ما روى عنه من تكرار الطواف أن أمثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن بن أذينة عنه ، وقد ذكر فيها أنه يمنع من ابتداء الإهلال بالحج بأن يدخل عليه عمرة ، وأن القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين ، والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع إدخال العمرة على الحج ، فإن كان الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه وإلا فلا حجة فيها ويضعف أيضا ما روي عن ابن عمر من تكرار الطواف أنه قد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة الاكتفاء بطواف واحد .

وقد احتج أبو ثور على الاكتفاء بطواف واحد للقارن بحجة نظرية فقال : قد أجزنا جميعا للحج والعمرة معا سفرا واحدا وإحراما واحدا ، وتلبية واحدة فكذلك يجزي عنهما طواف واحد وسعي واحد ، حكى هذا عنه ابن المنذر . ومن جملة ما يحتج به على أنه يكفي لهما طواف واحد حديث { دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة } وهو صحيح وقد تقدم وذلك ; لأنها بعد دخولها فيه لا تحتاج إلى عمل آخر غير عمله ، والسنة الصحيحة الصريحة أحق بالاتباع فلا يلتفت إلى ما خالفها . قوله : ( وامتشطي ) فيه دليل على أنه لا يكره الامتشاط للمحرم ، وقيل : إنه مكروه . قال النووي : وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى . وقيل : ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الامتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الغسل للإحرام [ ص: 95 ] بالحج لا سيما إن كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعله النبي صلى الله عليه وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال الماء إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه قوله : ( يسعك ) . . . إلخ المراد بالوسع هنا الإجزاء كما في الرواية الأخرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية