صفحة جزء
كتاب البيوع أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما نفع فيه [ ص: 168 ] عن جابر أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل : يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال لا هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه [ ص: 169 ] ثم باعوه فأكلوا ثمنه } . رواه الجماعة .

2159 - ( وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ، وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه } . رواه أحمد وأبو داود )


وهو حجة في تحريم بيع الدهن النجس حديث ابن عباس في التنفير عنها . وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع . قوله : ( والميتة ) بفتح الميم : وهي ما زالت عنه الحياة لا بذكاة شرعية .

ونقل ابن المنذر أيضا الإجماع على تحريم بيع الميتة ، والظاهر أنه يحرم بيعها بجميع أجزائها . قيل : ويستثنى من ذلك السمك والجراد وما لا تحله الحياة . قوله : ( والخنزير ) فيه دليل على تحريم بيعه بجميع أجزائه . وقد حكى صاحب الفتح الإجماع على ذلك .

وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية الترخيص في القليل من شعره . والعلة في تحريم بيعه وبيع الميتة هي النجاسة عند جمهور العلماء فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ، ولكن المشهور عن مالك طهارة الخنزير .

قوله : ( والأصنام ) جمع صنم ، قال الجوهري : هو الوثن . وقال غيره : الوثن ما له جثة ، والصنم : ما كان مصورا ، فبينهما على هذا عموم وخصوص من وجه . ومادة اجتماعهما إذا كان الوثن مصورا ، والعلة في تحريم بيعها عدم المنفعة المباحة ، فإن كان ينتفع بها بعد الكسر . جاز عند البعض ومنعه الأكثر .

قوله : ( أرأيت شحوم الميتة ) . . . إلخ أي : فهل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع ، كذا في الفتح . قوله : ( ويستصبح بها الناس ) الاستصباح : استفعال من المصباح : وهو السراج الذي يشتعل منه الضوء . قوله : ( لا هو حرام ) الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع ، وجعله بعض العلماء راجعا إلى الانتفاع ، فقال : يحرم الانتفاع به وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة إلا ما خصه دليل كالجلد المدبوغ ، والظاهر أن مرجع الضمير البيع ; لأنه المذكور صريحا والكلام فيه .

ويؤيد ذلك قوله في آخر الحديث : " فباعوها " وتحريم الانتفاع يؤخذ من دليل آخر كحديث { لا تنتفعوا من الميتة بشيء } وقد تقدم ، والمعنى لا تظنوا أن هذه المنافع مقتضية لجواز بيع الميتة فإن بيعها حرام . قوله : ( جملوه ) بفتح الجيم والميم : أي : أذابوه ، يقال : جمله إذا أذابه ، والجميل : الشحم المذاب .

وفي رواية للبخاري { جملوها ثم باعوها } .

وحديث ابن عباس فيه دليل على إبطال الحيل والوسائل إلى المحرم ، وأن كل ما حرمه الله على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه ، فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصه دليل ، والتنصيص على تحريم بيع الميتة في حديث الباب [ ص: 170 ] مخصص لعموم مفهوم قوله صلى الله عليه وسلم { إنما حرم من الميتة أكلها } وقد تقدم ، وقوله : " لعن الله اليهود " زاد في سنن أبي داود : ثلاثا .

التالي السابق


الخدمات العلمية