صفحة جزء
باب المبالغة في الاستنشاق

174 - ( عن لقيط بن صبرة قال : { قلت : يا رسول الله أخبرني عن الوضوء ، قال : أسبغ الوضوء ، وخلل بين الأصابع ، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما } . رواه الخمسة وصححه الترمذي ) .


الحديث أخرجه أيضا الشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي من طريق إسماعيل بن كثير المكي عن عاصم بن لقيط عن أبيه مطولا ومختصرا ، قال الخلال : عن أبي داود عن أحمد عاصم لم يسمع عنه بكثير رواية انتهى . ويقال : لم يرو عنه غير إسماعيل قال الحافظ : وليس بشيء لأنه روى عنه غيره ، وصححه الترمذي والبغوي وابن القطان وهذا اللفظ عندهم من رواية وكيع عن الثوري عن إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط عن أبيه .

وروى الدولابي في حديث الثوري من جمعه من طريق ابن مهدي عن الثوري ولفظه : ( وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائما ) وفي رواية لأبي داود من طريق أبي عاصم عن ابن جريج عن إسماعيل بن كثير بلفظ { : إذا [ ص: 185 ] توضأت فتمضمض } . قال الحافظ في الفتح : إسناد هذه الرواية صحيح ، وقال النووي : حديث لقيط بن صبرة أسانيده صحيحة ، وقد وثق إسماعيل بن كثير أحمد ، وقال أبو حاتم : هو صالح الحديث .

وقال ابن سعد : ثقة كثير الحديث ، وعاصم وثقه أبو حاتم ، وما عدا هذين من رجال إسناده فمخرج له في الصحيح قاله ابن سيد الناس في شرح الترمذي ، وقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس ( فخلل بين أصابعك ) وقال : هذا حديث حسن وفيه صالح مولى التوأمة وهو ضعيف ، وقد تقدم الترمذي إلى تحسين هذا الحديث البخاري ، روى ذلك عنه الترمذي في كتاب العلل ولكن الراوي عنه موسى بن عقبة وسماعه منه قبل أن يختلط ، وأخرج الترمذي أيضا من حديث المستورد قال { : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره } .

وقال : حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة وغرابته والذي قبله ترجع إلى الإسناد فلا ينافي الحسن ما قاله ابن سيد الناس ، وقد شارك ابن لهيعة في روايته عن يزيد بن عمرو الليث بن سعد وعمرو بن الحارث فالحديث إذن صحيح سالم عن الغرابة ، وفي الباب مما ليس عند الترمذي عن عثمان وأبي هريرة والربيع بنت معوذ ابن عفراء وعائشة وأبي رافع ، فحديث عثمان عند الدارقطني وحديث أبي هريرة عند الدارقطني أيضا وحديث الربيع عند الطبراني وحديث عائشة عند الدارقطني وحديث أبي رافع عند ابن ماجه والدارقطني .

والحديث يدل على مشروعية إسباغ الوضوء .

والمراد به الإنقاء واستكمال الأعضاء والحرص على أن يتوضأ وضوءا يصح عند الجميع ، وغسل كل عضو ثلاث مرات هكذا قيل : فإذا كان التثليث مأخوذا في مفهوم الإسباغ فليس بواجب لحديث { أنه صلى الله عليه وسلم توضأ مرة ومرتين } وإن كان مجرد الإنقاء والاستكمال فلا نزاع في وجوبه ، ويدل أيضا على وجوب تخليل الأصابع فيكون حجة على الإمام يحيى القائل بعدم الوجوب ، ويدل أيضا على وجوب الاستنشاق ، وقد تقدم الكلام عليه في حديث عثمان ، وإنما كره المبالغة للصائم خشية أن ينزل إلى حلقه ما يفطره ، واستدل به على عدم وجوب المبالغة لأن الوجوب يستلزم عدم جواز الترك وفيه ما لا يخفى .

175 - ( وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم { استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ) . الحديث أخرجه أيضا الحاكم وابن الجارود وصححه ابن القطان وذكره الحافظ في التلخيص ، ولم يذكره بضعف وكذلك المنذري في تخريج السنن عزاه إلى ابن ماجه ولم [ ص: 186 ] يتكلم فيه ، والحديث يدل على وجوب الاستنثار ، وقد تقدم ذكر الخلاف فيه في شرح حديث عثمان ، والمراد بقوله بالغتين : أنهما في أعلى نهاية الاستنثار من قولهم : بلغت المنزل ، وأما تقييد الأمر بالاستنثار بمرتين أو ثلاثا فيمكن الاستدلال على عدم وجوب الثانية والثالثة بحديث ( الوضوء مرة ) ويمكن القول بإيجاب مرتين أو ثلاث ، إما لأنه خاص وحديث الوضوء مرة عام ، وإما لأنه قول خاص بنا فلا يعارضه فعله صلى الله عليه وسلم كما تقرر في الأصول ، المقام لا يخلو عن مناقشة في كلا الطرفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية