صفحة جزء
باب النهي عن بيوع الغرر 2169 - ( عن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر } رواه الجماعة إلا البخاري ) .

2170 - ( وعن ابن مسعود { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تشتروا السمك في الماء [ ص: 175 ] فإنه غرر } . رواه أحمد ) .

2171 - ( وعن ابن عمر قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع حبل الحبلة } . رواه أحمد ومسلم والترمذي .

وفي رواية { نهى عن بيع حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ، ثم تحمل التي نتجت } . رواه أبو داود ، وفي لفظ { : كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة ، وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ، ثم تحمل التي نتجت ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن ذلك } متفق عليه ، وفي لفظ : { كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة فنهاهم صلى الله عليه وسلم عنه } رواه البخاري ) .


حديث ابن مسعود في إسناده يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود قال البيهقي : فيه إرسال بين المسيب وعبد الله والصحيح وقفه . وقال الدارقطني في العلل : اختلف فيه والموقوف أصح ، وكذلك قال الخطيب وابن الجوزي . وقد روى أبو بكر بن أبي عاصم عن عمران بن حصين حديثا مرفوعا .

وفيه النهي عن بيع السمك في الماء فهو شاهد لهذا .

قوله : ( نهى عن بيع الحصاة ) اختلف في تفسيره فقيل : هو أن يقول : بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي الحصاة ، أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي وقيل : هو أن يشترط الخيار إلى أن يرمي الحصاة . وقيل : هو أن يجعل نفس الرمي بيعا . ويؤيده ما أخرجه البزار من طريق حفص بن عاصم عنه أنه قال : يعني : إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع . قوله : ( وعن بيع الغرر ) بفتح المعجمة وبراءين مهملتين . وقد ثبت النهي عنه في أحاديث منها المذكور في الباب ، ومنها عن ابن عمر عند أحمد وابن حبان . ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه . ومنها سهل بن سعد عند الطبراني . ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء كما في حديث ابن مسعود ، ومن جملته بيع الطير في الهواء وهو مجمع على ذلك ، والمعدوم والمجهول والآبق وكل ما فيه الغرر من الوجوه .

قال النووي : النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع الغرر أمران : أحدهما : ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرده لم يصح بيعه . والثاني : ما يتسامح بمثله ، إما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه . ومن جملة ما يدخل تحت هذين الأمرين بيع أساس البناء واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها والقطن المحشو في الجبة . قوله : ( حبل الحبلة ) الحبل بفتح الحاء المهملة والباء ، وغلط عياض من سكن الباء وهو مصدر حبلت . [ ص: 176 ] تحبل ، والحبلة بفتحها أيضا جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء فيه للمبالغة . وقيل : هو مصدر سمي به الحيوان ، والأحاديث المذكورة في الباب تقضي ببطلان البيع ; لأن النهي يستلزم ذلك كما تقرر في الأصول .

واختلف في تفسير حبل الحبلة ، فمنهم من فسره بما وقع في الرواية من تفسير ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر . وقال الإسماعيلي والخطيب : هو من كلام نافع ، ولا منافاة بين الروايتين ، ومن جملة الذاهبين إلى هذا التفسير مالك والشافعي وغيرهما ، وهو أن يبيع لحم الجزور بثمن مؤجل إلى أن يلد ولد الناقة . وقيل : إلى أن يحمل ولد الناقة ولا يشترط وضع الحمل ، وبه جزم أبو إسحاق في التنبيه ، وتمسك بالتفسيرين المذكورين في الباب فإنه ليس فيهما ذكر أن يلد الولد ، ولكنه وقع في رواية متفق عليها بلفظ : { كان الرجل يبتاع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها } وهو صريح في اعتبار أن يلد الولد ومشتمل على زيادة فيترجح .

وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي والترمذي وأكثر أهل اللغة منهم أبو عبيدة وأبو عبيد : هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال ، فتكون علة النهي على القول الأول جهالة الأجل ، وعلى القول الثاني : بيع الغرر لكونه معدوما ومجهولا وغير مقدور على تسليمه . ويرجح الأول قوله في حديث الباب : لحوم الجزور ، وكذلك قوله : يبتاعون الجزور قال ابن التين : محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الجنين ، وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أم ولادة ولدها ؟ وعلى الثاني : هل المراد بيع الجنين الأول أو جنين الجنين ؟ فصارت أربعة أقوال ، كذا في الفتح . قوله : ( أن تنتج ) بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه ، والفاعل الناقة ، قال في الفتح : وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول . قوله : ( الجزور ) بفتح الجيم وضم الزاي وهو البعير ذكرا كان أو أنثى .

التالي السابق


الخدمات العلمية