صفحة جزء
باب النهي عن تلقي الركبان 2207 - ( عن ابن مسعود قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع } متفق عليه ) [ ص: 198 ]

2208 - ( وعن أبي هريرة قال { : نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتلقى الجلب فإن تلقاه إنسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخيار إذا ورد السوق . } رواه الجماعة إلا البخاري ) .


وفيه دليل على صحة البيع في الباب عن ابن عمر عن الشيخين ، وعن ابن عباس عندهما أيضا . قوله : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي البيوع } فيه دليل على أن التلقي محرم ، وقد اختلف في هذا النهي هل يقتضي الفساد أم لا ؟ فقيل : يقتضي الفساد ، وقيل : لا ، وهو الظاهر ; لأن النهي هاهنا لأمر خارج وهو لا يقتضيه كما تقرر في الأصول ، وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة وقال غيرهم بعدم الفساد لما سلف ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : { فصاحب السلعة فيها بالخيار } فإنه يدل على انعقاد البيع ، ولو كان فاسدا لم ينعقد وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور ، فقالوا : لا يجوز تلقي الركبان ، واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط ، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي ، وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين : أن يضر بأهل البلد ، وأن يلبس السعر على الواردين ا هـ .

والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكون في الغالب راكبا ، وحكم الجالب الماشي حكم الراكب ، ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكور ، فإن فيه النهي عن تلقي الجلب من غير فرق ، وكذلك حديث ابن مسعود المذكور فإن فيه النهي عن تلقي البيوع . قوله : ( الجلب ) بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول المجلوب يقال : جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة . قوله : ( بالخيار ) اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا ، أو بشرط أن يقع له في البيع عين ؟ ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر ، وظاهره أن النهي لأجل صنعة البائع وإزالة الضرر عنه ، وصيانته ممن يخدعه . قال ابن المنذر : وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة ، وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال : والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق ا هـ

وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق ، وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم ; لأنه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع ; لأنها إذا هبطت الأسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع ، ولا مانع من أن يقال : العلة في النهي مراعاة نفع البائع ونفع أهل السوق [ ص: 199 ] واعلم أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم ، كما لا يجوز للشراء منهم ; لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري بلفظ : " لا يبع " فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم ، وظاهر النهي المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقي الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس .

وشرط بعض الشافعية في النهي أن يكون المتلقي هو الطالب ، وبعضهم اشترط أن يكون المتلقي قاصدا لذلك ، فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهي ومن نظر إلى المعنى لم يفرق وهو الأصح عند الشافعي ، وشرط الجويني في النهي أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم بأقل من ثمن المثل ، وشرط المتولي من أصحاب الشافعي أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول ، وشرط أبو إسحاق الشيرازي أن يخبرهم بكساد ما معهم والكل من هذه الشروط لا دليل عليه ، والظاهر من النهي أيضا أنه يتناول المسافة القصيرة والطويلة ، وهو ظاهر إطلاق الشافعية ، وقال بعض المالكية : ميل ، وقال بعضهم أيضا : فرسخان ، وقال بعضهم : يومان ، وقال بعضهم : مسافة قصر ، وبه قال الثوري ، وأما ابتداء التلقي ، فقيل : الخروج من السوق وإن كان في البلد ، وقيل : الخروج من البلد وهو قول الشافعية ، وبالأول قال أحمد وإسحاق والليث والمالكية . .

التالي السابق


الخدمات العلمية