صفحة جزء
باب البيع بغير إشهاد 2212 - ( عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم { أنه ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي ، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي [ ص: 202 ] صلى الله عليه وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابي : أوليس قد ابتعته منك قال الأعرابي : لا والله ما بعتك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم بلى قد ابتعته فطفق الأعرابي يقول : هلم شهيدا ، قال خزيمة : أنا أشهد أنك قد ابتعته ، فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال : بم تشهد ؟ فقال : بتصديقك يا رسول الله ، فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين } رواه أحمد والنسائي وأبو داود ) . الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده عند أبي داود ثقات ، وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك .


قوله : ( ابتاع فرسا ) قيل : هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه ، وكان أبيض ، وقيل : هو الطرف بكسر الطاء ، وقيل : هو النجيب . قوله : ( من أعرابي ) قيل : هو سواء بن الحارث ، وقال الذهبي : هو سواء بن قيس المحاربي قوله : ( فاستتبعه ) السين للطلب : أي : أمره أن يتبعه إلى مكانه كاستخدامه إذا أمره أن يخدمه وفيه شراء السلعة وإن لم يكن الثمن حاضرا ، وجواز تأجيل البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله . قوله : ( فطفق ) بكسر الفاء على اللغة المشهورة ، وبفتحها على اللغة القليلة . قوله : ( بالفرس ) الباء زائدة في المفعول ; لأن المساومة تتعدى بنفسها ، تقول : سمت الشيء

قوله ( لا يشعرون ) . . . إلخ ، أي : لم يقع من الصحابة السوم المنهي عنه بعد استقرار البيع ، والنهي إنما يتعلق بمن علم ; لأن العلم شرط التكليف قوله : ( لا والله ما بعتك ) قيل : إنما أنكر هذا الصحابي البيع وحلف على ذلك ; لأن بعض المنافقين كان حاضرا ، فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحا ، وأنه لا إثم عليه في الحلف على أنه ما باعه فاعتقد صحة كلامه ; لأنه لم يظهر له نفاقه ، ولو علمه لما اغتر به ، وهذا وإن كان هو اللائق بحال من كان صحابيا ، ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حب الإيمان في قلوبهم ، وغير مستنكر أن يوجد في ذلك الزمان من يؤثر العاجلة ، فإنه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال تعالى : { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } والله يغفر لنا ولهم . قوله : ( هلم ) هلم بضم اللام وبناء الآخر على الفتح لأنه اسم فعل ، وشهيدا منصوب به وهو فعيل بمعنى فاعل : أي : هلم شاهدا ، زاد النسائي فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول : هلم شاهدا إني قد بعتكه } قوله : ( بم تشهد ) أي : بأي شيء تشهد على ذلك ولم تك حاضرا عند وقوعه ؟ .

وفي رواية للطبراني : [ ص: 203 ] بم تشهد ولم تكن حاضرا ؟ ، والحديث استدل به المصنف على جواز البيع بغير إشهاد قال الشافعي : لو كان الإشهاد حتما لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني : الأعرابي من غير حضور شهادة ، ومراده أن الأمر في قوله تعالى: { وأشهدوا إذا تبايعتم } ليس على الوجوب ، بل هو على الندب ; لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الندب وقيل : هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { فإن أمن بعضكم بعضا } وقيل : محكمة ، والأمر على الوجوب ، قال ذلك أبو موسى الأشعري وابن عمر والضحاك وابن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي وداود بن علي وابنه أبو بكر والطبري قال الضحاك : هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل قال الطبري : لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن يترك الإشهاد وإلا كان مخالفا لكتاب الله قال ابن العربي : وقول العلماء كافة : إنه على الندب وهو الظاهر وقد ترجم أبو داود على هذا الحديث باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد . الواحد يجوز له أن يحكم به ، وبه يقول شريح وفي البخاري أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده ، وأجاب عنه الجمهور بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الإخبار ويجاب أيضا عن شهادة خزيمة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين ، فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد ، وذكر ابن التين أنه صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين : " لا تعد " أي تشهد على ما لم تشاهده ، وقد أجيب عن ذلك الاستدلال بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد . وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفا بالصدق على كل شيء ادعاه ، وهو تمسك باطل ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة لا يجوز أن يحكم لغيره بمقاربتها فضلا عن مساواتها حتى يصح الإلحاق .

التالي السابق


الخدمات العلمية