صفحة جزء
باب أن من شرط الولاء أو شرطا فاسدا لغا وصح العقد 2226 - ( عن عائشة قالت : { دخلت علي بريرة وهي مكاتبة فقالت : اشتريني فأعتقيني ، قلت : نعم ، قالت : لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي ، قلت : لا حاجة لي فيك ، فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أو بلغه ، فقال : ما شأن بريرة ؟ فذكرت عائشة ما قالت ، فقال : اشتريها فأعتقيها ويشترطوا ما شاءوا قالت : فاشتريتها فأعتقتها ، واشترط أهلها ولاءها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لمن أعتق وإن اشترطوا مائة شرط } رواه البخاري ولمسلم معناه ، وللبخاري في لفظ آخر : { خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق } ) .

2227 - ( وعن ابن عمر { أن عائشة أرادت أن تشتري جارية تعتقها ، فقال أهلها : نبيعكها على أن ولاءها لنا ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك [ ص: 215 ] فإن الولاء لمن أعتق } رواه البخاري والنسائي وأبو داود وكذلك مسلم ، لكن قال فيه : عن عائشة جعله من مسندها ) .

2228 - ( وعن أبي هريرة قال : { أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون الولاء لهم ، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا يمنعك ذلك ، فإن الولاء لمن أعتق . } رواه مسلم ) .


قوله : ( اشتريها ) في ذلك دليل على جواز بيع المكاتب إذا رضي ولو لم يعجز نفسه وبه قال أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبو ثور ومالك والشافعي في أحد قوليه واختاره ابن جرير وابن المنذر وغيرهما على تفاصيل لهم في ذلك ، كذا في الفتح وإلى مثل ذلك ذهب الهادي وأتباعه ، وقال أبو حنيفة والشافعي في أصح القولين عنه وبعض المالكية : إنه لا يجوز بيعه مطلقا ، ويروى عن ابن مسعود . وأجابوا عن حديث الباب بأن بريرة عجزت نفسها بدليل استعانتها لعائشة كما في كثير من الروايات ، ويجاب بأنه ليس في استعانتها لعائشة ما يستلزم العجز قوله : ( ويشترطوا ما شاءوا ) فيه دليل على أن شرط البائع للعبد أن يكون الولاء له لا يصح ، بل الولاء لمن أعتق بإجماع المسلمين .

قوله : ( وإن اشترطوا مائة شرط ) قال النووي : أي : لو شرطوا مائة مرة توكيدا فالشرط باطل وإنما حمل ذلك على التوكيد لأن الدليل قد دل على بطلان جميع الشروط التي ليست في كتاب الله فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة ، فإنها لو زادت عليها كان الحكم كذلك . قوله : ( واشترطي لهم الولاء ) استشكل صدور الإذن منه صلى الله عليه وسلم بشرط فاسد في البيع ، واختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم بسنده إلى يحيى بن أكثم أنه أنكر ذلك .

وعن الشافعي في الأم الإشارة إلى تضعيف هذه الرواية التي فيها الإذن بالاشتراط لكونه انفرد بها هشام بن عروة دون أصحاب أبيه وأشار غيره إلى أنه روي بالمعنى الذي وقع وليس كما ظن وأثبت الرواية آخرون ، وقالوا هشام ثقة حافظ ، والحديث متفق على صحته ، فلا وجه لرده ثم اختلفوا في توجيه ذلك فقال الطحاوي : إن اللام في قوله : لهم ، بمعنى على كقوله تعالى : { وإن أسأتم فلها } وقد أسند هذا البيهقي في المعرفة عن الشافعي ، وجزم به الخطابي عنه وهو مشهور عن المزني وقال النووي : إن هذا تأويل ضعيف ، وكذلك قال ابن دقيق العيد : وقال آخرون : الأمر في قوله اشترطي للإباحة أي : اشترطي لهم أو لا فإن ذلك لا ينفعهم ، ويقوي هذا قوله : ويشترطوا ما شاءوا وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان أعلم الناس أن اشتراط [ ص: 216 ] الولاء باطل ، واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة ، فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق الأمر مريدا به التهديد كقوله تعالى : { اعملوا ما شئتم } فكأنه قال : اشترطي لهم الولاء فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم .

ويؤيد هذا ما قاله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : { ما بال رجال يشترطون شروطا } . . . إلخ فوبخهم بهذا القول : مشيرا إلى أنه قد تقدم منه بيان إبطاله ، إذ لو لم يتقدم منه ذلك لبدأ ببيان الحكم لا بالتوبيخ بعدم المقتضي له إذ هم يتمسكون بالبراءة الأصلية وقال الشافعي : إنه أذن في ذلك لقصد أن يعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ، ويرتدع به غيرهم وكان ذلك من باب الأدب ، وقيل : معنى اشترطي اتركي مخالفتهم فيما يشترطونه ولا تظهري نزاعهم فيما دعوا إليه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه ، وقال النووي : أقوى الأجوبة أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القصة وأن سببه المبالغة في الزجر عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ، ويستفاد منه ارتكاب أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما ، وتعقب بأنه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه ، وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل ، وقال ابن الجوزي : ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد ، فيحمل على أنه كان سابقا للعقد ، فيكون الأمر بقوله : اشترطي مجرد وعد ولا يجب الوفاء به . وتعقب باستبعاد أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد .

وقال ابن حزم : كان الحكم ثابتا لجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان ذلك جائزا فيه ثم نسخ بخطبته صلى الله عليه وسلم وهو بعيد . قوله : ( فإن الولاء لمن أعتق ) فيه إثبات الولاء للمعتق ونفيه عما عداه كما تقتضيه " إنما " الحصرية ، واستدل بذلك على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبين رجل محالفة . ولا للملتقط ، وسيأتي الكلام على بقية هذا الحديث في كتاب العتق إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية