صفحة جزء
باب شرط السلامة من الغبن 2229 - ( عن ابن عمر قال : { ذكر رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يخدع في البيوع فقال : من بايعت ، فقل : لا خلابة } متفق عليه ) .

2230 - ( وعن أنس { أن رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبتاع وكان في [ ص: 217 ] عقدته ، يعني : في عقله ، ضعف فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا رسول الله : احجر على فلان فإنه يبتاع ، وفي عقدته ضعف ، فدعاه ونهاه ، فقال : يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع ، فقال : إن كنت غير تارك للبيع فقل : ها وها ولا خلابة . } رواه الخمسة وصححه الترمذي ) .


وفيه صحة الحجر على السفيه ; لأنهم سألوه إياه وطلبوه منه وأقرهم عليه ، ولو لم يكن معروفا عندهم لما طلبوه ولا أنكر عليهم .

2231 - ( وعن ابن عمر { أن منقذا سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فخبلت لسانه ، فكان إذا بايع يخدع في البيع ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع وقل لا خلابة ، ثم أنت بالخيار ثلاثا ، قال ابن عمر : فسمعته يبايع ويقول : لا خذابة لا خذابة . } رواه الحميدي في مسنده ، فقال : حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر فذكره ) .

2232 - ( وعن محمد بن يحيى بن حبان { قال : هو جدي منقذ بن عمر وكان رجلا قد أصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه ، وكان لا يدع على ذلك التجارة ، فكان لا يزال يغبن ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فقال : إذا أنت بايعت فقل : لا خلابة ، ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال ، إن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها } رواه البخاري في تاريخه وابن ماجه والدارقطني ) حديث أنس أخرجه أيضا الحاكم . وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضا البخاري في تاريخه والحاكم في مستدركه ، وفي إسناده محمد بن إسحاق ، وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند الشافعي وابن الجارود والحاكم والدارقطني ، وفيه أن الرجل اسمه حبان بن منقذ وأخرجه أيضا عنه الدارقطني والطبراني في الأوسط ، وقيل : إن القصة لمنقذ والد حبان كما في حديث الباب . قال النووي : وهو الصحيح وبه جزم عبد الحق وجزم ابن الطلاع بأنه حبان بن منقذ ، وتردد الخطيب في المبهمات وابن الجوزي في التنقيح قال ابن الصلاح : وأما رواية الاشتراط فمنكرة لا أصل لها .

قوله : ( لا خلابة ) بكسر المعجمة وتخفيف اللام أي : لا خديعة قال العلماء : لقنه النبي صلى الله عليه وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع فيطلع به صاحبه أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة ، ويرى له ما يرى لنفسه ، والمراد أنه إذا ظهر غبن رد الثمن واسترد المبيع واختلف العلماء في هذا [ ص: 218 ] الشرط هل كان خاصا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور بالله والإمام يحيى أنه يثبت الرد لكل من شرط هذا الشرط ، ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع ، وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشا وهو ثلث القيمة عنده ، قالوا : بجامع الخدع الذي لأجله أثبت النبي صلى الله عليه وسلم لذلك الرجل الخيار .

وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة ; ولهذا روي أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعله بالخيار ثلاثا فيرجع في ذلك ، وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل ، ولا على ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة ، وهذا مذهب الجمهور وهو الحق واستدل بهذه القصة على ثبوت الخيار لمن قال : لا خلابة سواء غبن أم لا ، وسواء وجد غشا أو عيبا أم لا ، ويؤيده حديث ابن عمر الآخر ، والظاهر أنه لا يثبت الخيار إلا إذا وجدت خلابة ، لا إذا لم توجد ; لأن السبب الذي ثبت الخيار لأجله هو وجود ما نفاه منها ، فإذا لم يوجد فلا خيار .

واستدل بذلك أيضا على جواز الحجر للسفه كما أشار إليه المصنف وغيره وهو استدلال صحيح لكن بشرط أن يطلب ذلك من الإمام أو الحاكم قرابة من تصرفه سفه كما في حديث أنس . قوله : ( في عقدته ) العقدة العقل كما يشعر بذلك التفسير المذكور في الحديث ، وفي التلخيص : العقدة : الرأي ، وقيل : هي العقدة في اللسان كما يشعر بذلك ما في رواية ابن عمر أنها خبلت لسانه ، وكذلك قوله : فكسرت لسانه وعدم إفصاحه بلفظ الخلابة حتى كان يقول : لا خذابة ، بإبدال اللام ذالا معجمة ، وفي رواية لمسلم أنه كان يقول : لا خنابة بإبدال اللام نونا ، ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى: { واحلل عقدة من لساني } ولم يذكر في القاموس إلا عقدة اللسان . قوله : ( سفع ) بالسين المهملة ثم الفاء ثم العين المهملة أي : ضرب ، والمأمومة التي بلغت أم الرأس وهي الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه . قوله : ( ثم أنت بالخيار ثلاثا ) استدل به على أن مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من دون زيادة قال في الفتح : لأنه حكم ورد على خلاف الثلاث في غير موضع وأغرب بعض المالكية فقال : إنما قصره على ثلاث ; لأن معظم بيعه كان في الرقيق ، وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال انتهى . قوله : ( وعن محمد بن يحيى بن حبان ) بفتح الحاء المهملة وهو غير صاحب الصحيح المعروف بابن حبان بكسر الحاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية