صفحة جزء
باب ما يجري فيه الربا 2239 - ( عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تبيعوا الذهب بالذهب [ ص: 226 ] إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ، ولا تشفوا بعضها على بعض ، ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز } . متفق عليه ، وفي لفظ : { الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح ، مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى ، الآخذ والمعطي فيه سواء } . رواه أحمد والبخاري ، وفي لفظ : { لا تبيعوا الذهب بالذهب ، ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء } رواه أحمد ومسلم ) .

2240 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل ، والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل . } رواه أحمد ومسلم والنسائي ) .

2241 - ( وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { التمر بالتمر ، والحنطة بالحنطة ، والشعير بالشعير ، والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد ، فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه } . رواه مسلم )

2242 - ( وعن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن } رواه مسلم والنسائي وأبو داود )


قوله : ( الذهب بالذهب ) يدخل في الذهب جميع أنواعه من مشروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلي وتبر وخالص ومغشوش ، وقد نقل النووي وغيره الإجماع على ذلك . قوله : ( إلا مثلا بمثل ) هو مصدر في موضع الحال أي : الذهب يباع بالذهب موزونا بموزون أو مصدر مؤكد أي : يوزن وزنا بوزن ، وقد جمع بين المثل والوزن في رواية مسلم المذكورة . قوله : ( ولا تشفوا ) بضم أوله وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء رباعي من أشف ، والشف بالكسر الزيادة ، ويطلق على النقص ، والمراد هنا لا تفضلوا . قوله : ( بناجز ) بالنون والجيم والزاي أي : لا تبيعوا مؤجلا بحال ، ويحتمل أن يراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا ، مؤجلا كان أو حالا ، والناجز الحاضر . قوله : ( والفضة بالفضة ) يدخل في ذلك جميع أنواع الفضة كما سلف في الذهب . قوله : ( والبر بالبر ) بضم الباء وهو الحنطة والشعير بفتح أوله ، ويجوز الكسر وهو معروف ، وفيه رد على من قال : إن الحنطة والشعير صنف واحد وهو مالك والليث [ ص: 227 ] والأوزاعي وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وسلم { الطعام بالطعام } كما سيأتي ، ويأتي الكلام على ذلك .

قوله : ( فمن زاد ) . . . إلخ ، فيه التصريح بتحريم ربا الفضل وهو مذهب الجمهور للأحاديث الكثيرة المذكورة في الباب وغيرها فإنها قاضية بتحريم بيع هذه الأجناس بعضها ببعض متفاضلا وروي عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل ثم رجع عن ذلك ، وكذلك روي عن ابن عباس واختلف في رجوعه فروى الحاكم أنه رجع عن ذلك لما ذكر له أبو سعيد حديثه الذي في الباب واستغفر الله وكان ينهى عنه أشد النهي ، وروي مثل قولهما عن أسامة بن زيد وابن الزبير وزيد بن أرقم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير واستدلوا على جواز ربا الفضل بحديث أسامة عند الشيخين وغيرهما بلفظ : { إنما الربا في النسيئة } زاد مسلم في رواية عن ابن عباس { لا ربا فيما كان يدا بيد } وأخرج الشيخان والنسائي عن أبي المنهال قال : سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف قالا : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا } ، وأخرج مسلم عن أبي نضرة " قال : سألت ابن عباس عن الصرف فقال : إلا يدا بيد ، قلت : نعم ، قال : فلا بأس ، فأخبرت أبا سعيد فقال : أوقال ذلك ؟ إنا سنكتب إليه فلا يفتيكموه " ، وله من وجه آخر عن أبي نضرة : سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا وإني لقاعد عند أبي سعيد ، فسألته عن الصرف . فقال : ما زاد فهو ربا ، فأنكرت ذلك لقولهما ، فذكرت الحديث ، قال : فحدثني أبو الصهباء أنه سأل ابن عباس عنه فكرهه قال في الفتح : واتفق العلماء على صحة حديث أسامة ، واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد . فقيل : إن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال

، وقيل : المعنى في قوله ( لا ربا ) الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب : لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره .

وإنما القصد نفي الأكمل لا نفي الأصل ، وأيضا نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة إنما هو بالمفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد ; لأن دلالته بالمنطوق ، ويحمل حديث أسامة على الربا الأكبر ا هـ .

ويمكن الجمع أيضا بأن يقال : مفهوم حديث أسامة عام ; لأنه يدل على نفي ربا الفضل عن كل شيء سواء كان من الأجناس المذكورة في أحاديث الباب أم لا فهو أعم منها مطلقا فيخصص هذا المفهوم بمنطوقها . وأما ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه لا ربا فيما كان يدا بيد كما تقدم فليس ذلك مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقة ، ولو كان مرفوعا لما رجع ابن عباس واستغفر لما حدثه أبو سعيد بذلك كما تقدم .

وقد روى الحازمي رجوع ابن عباس واستغفاره عندما سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل وقال : حفظتما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم [ ص: 228 ] أحفظ وروى عنه الحازمي أيضا أنه قال : كان ذلك برأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع ، فهو عام مخصص بأحاديث الباب ; لأنها أخص منه مطلقا .

وأيضا الأحاديث القاضية بتحريم ربا الفضل ثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما قال الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي سعيد : وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وهشام بن عامر والبراء وزيد بن أرقم وفضالة بن عبيد وأبي بكرة وابن عمر وأبي الدرداء وبلال ا هـ .

وقد ذكر المصنف بعض ذلك في كتابه هذا ، وخرج الحافظ في التلخيص بعضها ، فلو فرض معارضة حديث أسامة لها من جميع الوجوه وعدم إمكان الجمع أو الترجيح بما سلف لكان الثابت عن الجماعة أرجح من الثابت عن الواحد . قوله : ( ولا الورق بالورق ) بفتح الواو وكسر الراء وبإسكانها على المشهور ويجوز فتحها ، كذا في الفتح وهو الفضة ، وقيل : بكسر الواو : المضروبة ، وبفتحها المال .

والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة . قوله : { إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء } الجمع بين هذه الألفاظ لقصد التأكيد أو للمبالغة . قوله : ( إلا ما اختلفت ألوانه ) المراد أنهما اختلفا في اللون اختلافا يصير به كل واحد منهما جنسا غير جنس مقابله ، فمعناه معنى ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وسلم { إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم } . وسنذكر إن شاء الله ما يستفاد منه .

2243 - ( وعن أبي بكرة قال : { نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب إلا سواء بسواء ، وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا . } أخرجاه ، وفيه دليل على جواز الذهب بالفضة مجازفة ) .

2244 - ( وعن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء ، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء ، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء } متفق عليه ) .

2245 - ( وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الذهب بالذهب والفضة بالفضة ، والبر بالبر ، والشعير بالشعير ، والتمر بالتمر ، والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان [ ص: 229 ] يدا بيد } رواه أحمد ومسلم ، وللنسائي وابن ماجه وأبي داود نحوه وفي آخره : { وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا ، } وهو صريح في كون البر والشعير جنسين ) .

2246 - ( وعن معمر بن عبد الله قال : { كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : الطعام بالطعام مثلا بمثل ، وكان طعامنا يومئذ الشعير } . رواه أحمد ومسلم ) .

2247 - ( وعن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا ، وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به } رواه الدارقطني ) . حديث أنس وعبادة أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره وضعفه جماعة ، وقد أخرج هذا الحديث البزار أيضا ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولا وغيره من الأحاديث .

قوله : ( كيف شئنا ) هذا الإطلاق مقيد بما في حديث عبادة من قوله ( إذا كان يدا بيد ) فلا بد في بيع بعض الربويات من التقابض ولا سيما في الصرف وهو بيع الدراهم بالذهب وعكسه فإنه متفق على اشتراطه وظاهر هذا الإطلاق والتفويض إلى المشيئة أنه يجوز بيع الذهب بالفضة ، والعكس ، وكذلك سائر الأجناس الربوية إذا بيع بعضها ببعض من غير تقييد بصفة من الصفات غير صفة القبض ويدخل في ذلك بيع الجزاف وغيره .

قوله : ( إلا هاء وهاء ) بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل : بالكسر وقيل : بالسكون ، وحكي القصر بغير همز ، وخطأها الخطابي ورد عليه النووي وقال : هي صحيحة لكن قليلة والمعنى خذ وهات وحكي بزيادة كاف مكسورة ويقال : هاء بكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ ، وقال ابن الأثير : هاء وهاء أن يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده وقيل : معناهما خذ وأعط قال : وغير الخطابي يجيز فيه السكون .

وقال ابن مالك : هاء اسم فعل بمعنى خذ ، وقال الخليل : هاء كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله : هاء وهاء أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه : هاء فيتقابضان في المجلس قال : فالتقدير لا تبيعوا الذهب بالورق إلا مقولا بين المتعاقدين هاء وهاء قوله : ( فإذا اختلفت هذه الأصناف ) . . . إلخ ظاهر هذا أنه لا يجوز بيع جنس ربوي بجنس آخر إلا مع القبض ، ولا يجوز مؤجلا ولو اختلفا [ ص: 230 ] في الجنس والتقدير كالحنطة والشعير بالذهب والفضة ، وقيل : يجوز مع الاختلاف المذكور إنما يشترط التقابض في الشيئين المختلفين جنسا المتفقين تقديرا كالفضة بالذهب والبر بالشعير ، إذ لا يعقل التفاضل والاستواء إلا فيما كان كذلك ويجاب بأن مثل هذا لا يصلح لتخصيص النصوص وتقييدها .

وكون التفاضل والاستواء لا يعقل في المختلفين جنسا وتقديرا ممنوع والسند أن التفاضل معقول لو كان الطعام يوزن أو النقود تكال ولو في بعض الأزمان والبلدان ، ثم إنه قد يبلغ ثمن الطعام إلى مقدار من الدراهم كثير عند شدة الغلاء بحيث يعقل أن يقال : الطعام أكثر من الدراهم وما المانع من ذلك ؟ .

وأما الاستدلال على جواز ذلك بحديث عائشة عند البخاري ومسلم وغيرهما قالت : { اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعاما بنسيئة وأعطاه درعا له رهنا } فلا يخفى أن غاية ما فيه أن يكون مخصصا للنص المذكور لصورة الرهن ، فيجوز في هذه الصورة لا في غيرها لعدم صحة إلحاق ما لا عوض فيه عن الثمن بما فيه عوض عنه وهو الرهن نعم إن صح الإجماع الذي حكاه المغربي في شرح بلوغ المرام فإنه قال : وأجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلا أو مؤجلا كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل ا هـ كان ذلك هو الدليل على الجواز عند من كان يرى حجية الإجماع .

وأما إذا كان الربوي يشارك مقابله في العلة ، فإن كان بيع الذهب بالفضة أو العكس فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعا ، وإن كان في غير ذلك من الأجناس كبيع البر بالشعير أو بالتمر أو العكس .

فظاهر الحديث عدم الجواز وإليه ذهب الجمهور وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن علية : لا يشترط والحديث يرد عليه ، وقد تمسك مالك بقوله : { إلا يدا بيد } وبقوله : { الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء } على أنه يشترط القبض في الصرف عند الإيجاب بالكلام ولا يجوز التراخي ولو كانا في المجلس .

وقال الشافعي وأبو حنيفة والجمهور : إن المعتبر التقابض في المجلس وإن تراخى عن الإيجاب ، والظاهر الأول ولكنه أخرج عبد الرزاق وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : { اشتر الذهب بالفضة ، فإذا أخذت واحدا منهما فلا تفارق صاحبك وبينكما لبس } فيمكن أن يقال : إن هذه الرواية تدل على اعتبار المجلس . قوله : ( أن يبيع البر بالشعير ) . . . إلخ ، فيه كما قال المصنف تصريح بأن البر والشعير جنسان وهو مذهب الجمهور

وحكي عن مالك والليث والأوزاعي كما تقدم أنهما جنس واحد وبه قال معظم علماء المدينة وهو محكي عن عمر وسعد وغيرهما من السلف ، وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وسلم { الطعام بالطعام } كما في حديث معمر بن عبد الله المذكور .

ويجاب عنه بما في آخر الحديث من قوله : { وكان طعامنا يومئذ الشعير } فإنه في حكم التقييد لهذا المطلق ، وأيضا التصريح بجواز بيع أحدهما [ ص: 231 ] بالآخر متفاضلا كما في حديث عبادة وكذلك عطف أحدهما على الآخر كما في غيره من أحاديث الباب مما لا يبقى معه ارتياب في أنهما جنسان ، واعلم أنه قد اختلف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة في الأحاديث غيرها .

فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل بين النساء مع الاتفاق في الجنس ، وتحريم النساء فقط مع الاختلاف في الجنس والاتفاق في العلة فقالت الظاهرية : إنه لا يلحق بها غيرها في ذلك .

وذهب من عداهم من العلماء إلى أنه يلحق بما يشاركها في العلة ، ثم اختلفوا في العلة ما هي ؟ فقال الشافعي : هي الاتفاق في الجنس والطعم فيما عدا النقدين .

وأما هما فلا يلحق بهما غيرهما من الموزونات واستدل على اعتبار الطعام بقوله صلى الله عليه وسلم { الطعام بالطعام } وقال مالك في النقدين كقول الشافعي ، وفي غيرهما العلة الجنس والتقدير والاقتيات وقال ربيعة : بل اتفاق الجنس ووجوب الزكاة وقالت العترة جميعا : بل العلة في جميعها اتفاق الجنس والتقدير بالكيل والوزن ، واستدلوا على ذلك بذكره صلى الله عليه وسلم للكيل والوزن في أحاديث الباب .

ويدل على ذلك أيضا حديث أنس المذكور فإنه حكم فيه على كل موزون مع اتحاد نوعه وعلى كل مكيل كذلك بأنه مثل بمثل فأشعر بأن الاتفاق في أحدهما مع اتحاد النوع موجب لتحريم التفاضل بعموم النص لا بالقياس وبه يرد على الظاهرية ; لأنهم إنما منعوا من الإلحاق لنفيهم للقياس ، ومما يؤيد ذلك ما سيأتي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الميزان مثل ما قال في المكيل على ما سيبينه المصنف إن شاء الله تعالى ، وإلى مثل ما ذهبت إليه العترة ذهب أبو حنيفة وأصحابه كما حكى ذلك عنه المهدي في البحر ، وحكى عنه أن يقول : العلة في الذهب الوزن ، وفي الأربعة الباقية كونها مطعومة موزونة أو مكيلة .

والحاصل أنه قد وقع الاتفاق بين من عدا الظاهرية بأن جزء العلة الاتفاق في الجنس واختلفوا في تعيين الجزء الآخر على تلك الأقوال ولم يعتبر أحد منهم العدد جزءا من العلة مع اعتبار الشارع له كما في رواية من حديث أبي سعيد { ولا درهمين بدرهم } وفي حديث عثمان عند مسلم { ولا تبيعوا الدينار بالدينارين } .

2248 - ( وعن أبي سعيد وأبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { استعمل رجلا على خيبر ، فجاءهم بتمر جنيب فقال : أكل تمر خيبر هكذا ؟ قال : إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فقال : لا تفعل ، بع الجمع بالدراهم ، ثم ابتع بالدراهم جنيبا } ، وقال في الميزان مثل ذلك رواه البخاري ) [ ص: 232 ] الحديث أخرجه أيضا مسلم . قوله : ( رجلا ) صرح أبو عوانة والدارقطني أن اسمه سواد بن غزية بمعجمة فزاي فياء مشددة كعطية .

قوله : ( جنيب ) بفتح الجيم وكسر النون وسكون التحتية وآخره موحدة اختلف في تفسيره فقيل : هو الطيب ، وقيل : الصلب ، وقيل : ما أخرج منه حشفه ورديئه ، وقيل : ما لا يختلط بغيره ، وقال في القاموس : إن الجنيب تمر جيد . قوله : ( بع الجمع ) بفتح الجيم وسكون الميم قال في الفتح : هو التمر المختلط بغيره ، وقال في القاموس : هو الدقل أو صنف من التمر .

والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع رديء الجنس بجيده متفاضلا وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم فيه وأما سكوت الرواة عن فسخ المذكور فلا يدل على عدم الوقوع إما ذهولا وإما اكتفاء بأن ذلك معلوم ، وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { هذا هو الربا } فرده كما نبه على ذلك في الفتح وقد استدل أيضا بهذا الحديث على جواز بيع العينة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يشتري بثمن الجمع جنيبا ، ويمكن أن يكون بائع الجنيب منه هو الذي اشترى منه الجمع ، فيكون قد عادت إليه الدراهم التي هي عين ماله ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بأن يشتري الجنيب من غير من باع منه الجمع ، وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم . قال في الفتح : وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل ، فإذا عمل به في صورة سقط الاحتجاج به في غيرها فلا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باع منه تلك السلعة بعينها انتهى .

وسيأتي الكلام على بيع العينة قوله : ( وقال في الميزان مثل ذلك ) أي : مثل ما قال في المكيل من أنه لا يجوز بيع بعض الجنس منه ببعضه متفاضلا ، وإن اختلفا في الجودة والرداءة بل يباع رديئه بالدراهم ثم يشترى بهذا الجيد والمراد بالميزان هنا الموزون . وقال المصنف رحمه الله: وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها ; لأن قوله ( في الميزان ) أي : في الموزون وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية