صفحة جزء
باب غسل اليدين مع المرفقين وإطالة الغرة

182 - ( { عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : هلم أتوضأ لكم وضوء رسول الله [ ص: 193 ] صلى الله عليه وسلم فغسل وجهه ويديه حتى مس أطراف العضدين ، ثم مسح برأسه ، ثم أمر بيديه على أذنيه ولحيته ، ثم غسل رجليه . } رواه الدارقطني ) .


الحديث في إسناده ابن إسحاق وقد عنعن . قوله : ( هلم ) اسم فعل بمعنى قرب جاء لازما كقوله تعالى : { هلم إلينا } ومتعديا كقوله تعالى : { هلم شهداءكم } ويستوي فيه عند الحجازيين الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث فيقال : هلم يا رجل ، وهلم يا رجال ، وهلم يا امرأة ، وفي لغة بني تميم يتغير كتغير أمر المخاطب نحو هلما وهلموا وهلمي .

قوله : ( حتى مس أطراف العضدين ) فيه دليل على وجوب غسل المرفقين ، وقد قدمنا طرفا من الكلام عليه في شرح حديث عثمان المتفق عليه . وقوله : ( ثم مسح برأسه ) إطلاق المسح ليشعر بعدم التكرار وسيأتي الكلام عليه .

قوله : ( ثم أمر بيديه على أذنيه ) دليل على مشروعية مسح الأذنين وسيأتي له باب في هذا الكتاب . قوله : ( ولحيته ) قد بسطنا البحث فيه في باب استحباب تخليل اللحية .

183 - ( وعن أبي هريرة { أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء ، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد ، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد ، ثم مسح رأسه ، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق ، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق ، ثم قال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ، وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم الغر المحجلون يوم القيامة من إسباغ الوضوء فمن استطاع منكم فليطل غرته وتحجيله } . رواه مسلم ) .

قوله : ( أشرع في العضد وأشرع في الساق ) معناه أدخل الغسل فيهما ، قاله النووي قوله : ( أنتم الغر المحجلون ) قال أهل اللغة : الغرة : بياض في جبهة الفرس ، والتحجيل : بياض في يدها ورجلها قال العلماء : سمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة : غرة وتحجيلا تشبيها بغرة الفرس . وهذا الحديث وغيره مصرح باستحباب تطويل الغرة والتحجيل . والغرة : غسل شيء من مقدم الرأس أو ما يجاوز الوجه زائدا على الجزء الذي يجب غسله . والتحجيل : غسل ما فوق المرفقين والكعبين وهما مستحبان بلا خلاف واختلف في القدر المستحب على أوجه . أحدها : أنه تستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين من غير تقدير : والثاني إلى نصف العضد والساق .

والثالث : إلى المنكب والركبتين . قال النووي : وأحاديث الباب تقتضي هذا كله قال : وأما دعوى الإمام [ ص: 194 ] أبي الحسن بن بطال المالكي والقاضي عياض ، اتفاق العلماء على أنه لا يستحب الزيادة فوق المرفق والكعب فباطلة ، وكيف يصح دعواهما وقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي هريرة وهو مذهبنا لا خلاف فيه عندنا ، ولو خالف فيه من خالف كان محجوجا بهذه السنن الصحيحة الصريحة ، وأما احتجاجهما بقوله صلى الله عليه وسلم ( من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم ) فلا يصح ; لأن المراد زاد في عدد المرات .

وقال الحافظ في التلخيص : وقد ادعى ابن بطال في شرح البخاري وتبعه القاضي ، تفرد أبي هريرة بهذا يعني الغسل إلى الآباط وليس بجيد ، فقال : قد قال به جماعة من السلف ومن أصحاب الشافعي ، وقال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع عن العمري عن نافع أن ابن عمر كان ربما بلغ بالوضوء إبطيه ، ورواه أبو عبيد بإسناد أصح من هذا فقال : حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن محمد بن عجلان عن نافع .

قوله : ( فمن استطاع منكم ) تعليق الأمر بإطالة الغرة والتحجيل بالاستطاعة قرينة قاضية بعدم الوجوب ، ولهذا لم يذهب إلى إيجابه أحد من الأئمة .

قال المصنف رحمه الله تعالى: ويتوجه منه وجوب غسل المرفقين لأن نص الكتاب يحتمله وهو مجمل فيه ، وفعله صلى الله عليه وسلم بيان لمجمل الكتاب ومجاوزته للمرفق ليس في محل الإجمال ليجب بذلك انتهى . وقد أسلفنا الكلام عليه في الكلام على حديث عثمان في أول أبواب الوضوء .

التالي السابق


الخدمات العلمية