صفحة جزء
2287 - ( وعن عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى قالا : { كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يأتينا أنباط من أنباط الشام فنسلفهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمى ، قيل : أكان لهم زرع أو لم يكن ؟ قالا : ما كنا نسألهم عن ذلك } رواه أحمد والبخاري وفي رواية : { كنا نسلف على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر وما نراه عندهم } رواه الخمسة إلا [ ص: 270 ] الترمذي )

2288 - ( وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره } رواه أبو داود وابن ماجه ) .

2289 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من أسلف شيئا فلا يشرط على صاحبه غير قضائه } وفي لفظ : { من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله } رواهما الدارقطني واللفظ الأول دليل امتناع الرهن والضمين فيه ، والثاني يمنع الإقالة في البعض )


حديث أبي سعيد في إسناده عطية بن سعد العوفي قال المنذري : لا يحتج بحديثه قوله : ( ابن أبزى ) بالموحدة والزاي على وزن أعلى ، وهو الخزاعي أحد صغار الصحابة ، ولأبيه أبزى صحبة

قوله : ( أنباط ) جمع نبيط : وهم قوم معروفون كانوا ينزلون بالبطائح بين العراقين قاله الجوهري ، وأصلهم قوم من العرب دخلوا في العجم واختلطت أنسابهم وفسدت ألسنتهم ، ويقال لهم : النبط بفتحتين ، والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية ، وإنما سموا بذلك لمعرفتهم بإنباط الماء : أي : استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة وقيل : هم نصارى الشام ، وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام ويدل على هذا قوله : " من أنباط الشام " وقيل : هم طائفتان : طائفة اختلطت بالعجم ونزلوا البطائح وطائفة اختلطت بالروم ونزلوا الشام قوله : ( فنسلفهم ) بضم النون وإسكان السين المهملة وتخفيف اللام من الإسلاف ، وقد تشدد اللام مع فتح السين من التسليف قوله : ( ما كنا نسألهم عن ذلك ) فيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه ، وذلك مستفاد من تقريره صلى الله عليه وسلم لهم مع ترك الاستفصال قال ابن رسلان : وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه قوله : ( وما نراه عندهم ) لفظ أبي داود " إلى قوم ما هو عندهم " أي : ليس عندهم أصل من أصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا أمكن وجوده في وقت حلول الأجل فذهب إلى جوازه الجمهور ، قالوا : ولا يضر انقطاعه قبل الحلول وقال أبو حنيفة : لا يصح فيما ينقطع قبله ، بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل ، ووافقه الثوري والأوزاعي ، فلو أسلم في شيء فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور

وفي وجه للشافعية ينفسخ [ ص: 271 ] واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر { أن رجلا أسلف رجلا في نخل ، فلم يخرج تلك السنة شيئا ، فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : بم تستحل ماله ، اردد عليه ماله ، ثم قال : لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه } وهذا نص في التمر ، وغيره قياس عليه ، ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى ، ; لأنه صريح في الدلالة على المطلوب بخلاف حديث عبد الرحمن بن أبزى وعبد الله بن أبي أوفى فليس فيه إلا مظنة التقرير منه صلى الله عليه وسلم مع ملاحظة تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم ، ولكن حديث ابن عمر هذا في إسناده رجل مجهول ، فإن أبا داود رواه عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر ، ومثل هذا لا تقوم به حجة قال القائلون بالجواز : ولو صح هذا الحديث لحمل على بيع الأعيان أو على السلم الحال عند من يقول به ، أو على ما قرب أجله قالوا : ومما يدل على الجواز ما تقدم من أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ، ومن المعلوم أن الثمار لا تبقى هذه المدة ، ولو اشترط الوجود لم يصح السلم في الرطب إلى هذه المدة ، وهذا أولى ما يتمسك به في الجواز

قوله : ( فلا يصرفه إلى غيره ) الظاهر أن الضمير راجع إلى المسلم فيه لا إلى ثمنه الذي هو رأس المال والمعنى أنه لا يحل جعل المسلم فيه ثمنا لشيء قبل قبضه ، ولا يجوز بيعه قبل القبض : أي : لا يصرفه إلى شيء غير عقد السلم وقيل : الضمير راجع إلى رأس مال السلم وعلى ذلك حمله ابن رسلان في شرح السنن وغيره : أي : ليس له صرف رأس المال في عوض آخر كأن يجعله ثمنا لشيء آخر ، فلا يجوز له ذلك حتى يقبضه ، وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة والهادي والمؤيد بالله ، وقال الشافعي وزفر : يجوز ذلك ; لأنه عوض عن مستقر في الذمة ، فجاز ، كما لو كان قرضا ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد على فرض تعذر المسلم فيه فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع إذا فسخ العقد

قوله : " فلا يشرط على صاحبه غير قضائه " فيه دليل على أنه لا يجوز شيء من الشروط في عقد السلم غير القضاء واستدل به المصنف على امتناع الرهن وقد روي عن سعيد بن جبير أن الرهن في السلم هو الربا المضمون وقد روي نحو ذلك عن ابن عمر والأوزاعي والحسن ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد ، ورخص فيه الباقون واستدلوا بما في الصحيح من حديث عائشة { أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاما من يهودي نسيئة ورهنه درعا من حديد } وقد ترجم عليه البخاري : باب الرهن في السلم ، وترجم عليه أيضا في كتاب السلم : باب الكفيل في السلم واعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث ما ترجم به ، ولعله أراد إلحاق الكفيل بالرهن ; لأنه حق ثبت الرهن به فجاز أخذ الكفيل به ، والخلاف في الكفيل كالخلاف في الرهن قوله : ( فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه . . . إلخ ) فيه دليل لمن قال : إنه لا يجوز صرف رأس المال إلى شيء آخر ، وقد تقدم الخلاف في ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية