صفحة جزء
باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره 2291 - ( عن أبي هريرة قال : { استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سنا ، فأعطى سنا خيرا من سنه ، وقال : خياركم أحاسنكم قضاء } رواه أحمد والترمذي وصححه ) .

2992 - ( وعن أبي رافع قال : { استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكرا ، فجاءته إبل الصدقة [ ص: 273 ] فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت : إني لم أجد في الإبل إلا جملا خيارا رباعيا ، فقال : أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء } رواه الجماعة إلا البخاري ) .

2293 - ( وعن أبي سعيد قال : { جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه دينا كان عليه ، فأرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها : إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك } ، مختصر لابن ماجه )


حديث أبي هريرة هو في الصحيحين بلفظ : { كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حق فأغلظ له ، فهم به أصحابه ، فقال : دعوه فإن لصاحب الحق مقالا ، فقال لهم : اشتروا له سنا فأعطوه إياه ، فقالوا : إنا لا نجد إلا سنا هو خير من سنه ، قال : فاشتروه وأعطوه إياه ، فإن من خيركم ، أو أخيركم أحسنكم قضاء } وسيأتي ( وفي الباب ) عن العرباض بن سارية عند النسائي والبزار قال : { بعت النبي صلى الله عليه وسلم بكرا وأتيته أتقاضاه ، فقلت : اقض ثمن بكري ، فقال : لا أقضيك إلا نجيبة ، فدعاني فأحسن قضائي ، ثم جاء أعرابي فقال : اقض بكري ، فقضاه بعيرا } وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن أبي عبيدة عن أبيه وهما ثقتان ، وبقية إسناده ثقات

قوله : ( أحاسنكم قضاء ) جمع أحسن ورواية الصحيحين : " أحسنكم " كما سلف وهو الفصيح ووقع في رواية لأبي داود " محاسنكم " بالميم كمطلع ومطالع قوله : ( بكرا ) بفتح الباء الموحدة : وهو الفتي من الإبل . قال الخطابي : هو في الإبل بمنزلة الغلام من الذكور ، والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث قوله : ( رباعيا ) بفتح الراء وتخفيف الموحدة : وهو الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة ، وفي الحديثين دليل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض ، وسيأتي الكلام على ذلك قال الخطابي : وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها ، وذلك ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل له الصدقة فلا يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئا كان استسلفه لنفسه ، فدل على أنه استسلفه لأهل الصدقة من أرباب المال وهذا استدلال الشافعي وقد اختلف العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل وقتها ، فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وابن حنبل وابن راهويه

وقال الشافعي : يجوز أن يعجل الصدقة سنة واحدة وقال الشافعي : لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان الثوري وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على الجواز وفي الحديثين أيضا جواز قرض الحيوان ، وهو مذهب الجمهور ، ومنع من ذلك الكوفيون والهادوية ، قالوا : ; لأنه [ ص: 274 ] نوع من البيع مخصوص وقد { نهى صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان } كما سلف ، ويجاب بأن الأحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان كما سلف ويجاب بأن الأحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز ، وعلى تسليم أن المنع هو الراجح فحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض بن سارية مخصصة لعموم النهي ( وأما الاستدلال ) على المنع بأن الحيوان مما يعظم فيه التفاوت فممنوع وقد استثنى مالك والشافعي وجماعة من العلماء قرض الولائد ، فقالوا : لا يجوز ; لأنه يؤدي إلى عارية الفرج وأجاز ذلك مطلقا داود والطبري والمزني ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين ، وأجازه بعض المالكية بشرط أن يرد غير ما استقرضه ، وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن يحرم وطؤه على المستقرض

وقد حكى إمام الحرمين عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض الولائد وقال ابن حزم : ما نعلم في هذا أصلا من كتاب ولا من رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا إجماع ولا قياس انتهى ، وحديث أبي سعيد المذكور فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين أن يقضيه بدين آخر ، ولا خلاف في جواز ذلك فيما أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية