صفحة جزء
2301 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : { الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة } رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي وفي لفظ : { إذا كانت الدابة مرهونة ، فعلى المرتهن علفها ، ولبن الدر يشرب ، وعلى الذي يشرب نفقته } رواه أحمد )


الحديث له ألفاظ : منها ما ذكره المصنف ، ومنها بلفظ : { الرهن مركوب ومحلوب } رواه الدارقطني والحاكم ، وصححه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا قال الحاكم : لم يخرجاه ; لأن سفيان وغيره وقفوه على الأعمش ، وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الأعمش وغيره ، ورجح الموقوف ، وبه جزم الترمذي وقال ابن أبي حاتم : قال : أبي رفعه ، يعني : أبا معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد ورجح البيهقي أيضا الوقف قوله : ( الظهر ) أي : ظهر الدابة قوله : ( يركب ) بضم أوله على البناء للمجهول لجميع الرواة كما قال الحافظ وكذلك يشرب وهو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى : { والوالدات يرضعن } وقد قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون الحديث مجملا وأجيب بأنه لا إجمال ، بل المراد المرتهن بقرينة أن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه مالكا والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة ، وذلك يختص بالمرتهن [ ص: 279 ] كما وقع التصريح بذلك في الرواية الأخرى

ويؤيده ما وقع عند حماد بن سلمة في جامعه بلفظ : { إذا ارتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها ، فإن استفضل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا } ففيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك ، وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء : لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء ، بل الفوائد للراهن والمؤن عليه قالوا : والحديث ورد على خلاف القياس من وجهين : أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير إذنه ، والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة قال ابن عبد البر : هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها

ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره بلفظ { لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه } ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد إلا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص ، فيبنى العام على الخاص ، والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر النسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان وقال الأوزاعي والليث وأبو ثور : إنه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون ، فيباح حينئذ للمرتهن ، وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبي هريرة الآتي ، وستعرف الكلام عليه

قوله : ( الدر ) بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة : أي : لبن الدابة ذات الضرع وقيل : هو هاهنا من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى : { حب الحصيد }

2302 - ( وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه ، له غنمه وعليه غرمه } رواه الشافعي والدارقطني وقال : هذا إسناد حسن متصل ) الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه ، وأخرجه أيضا ابن ماجه من طريق أخرى ، وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله عن سعيد بن المسيب بدون ذكر أبي هريرة : قال في التلخيص : وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة وقال في بلوغ المرام : إن رجاله ثقات ، إلا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله ا هـ وساقه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وغيره من أهل الثقات ، حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي [ ص: 280 ] حدثنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يغلق الرهن ، الرهن لمن رهنه له غنمه ، وعليه غرمه } قال ابن حزم : هذا إسناد حسن وتعقبه الحافظ بأن قوله : نصر بن عاصم تصحيف ، وإنما هو عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي ، وله أحاديث منكرة ، وقد رواه الدارقطني من طريق عبد الله بن نصر المذكور ، وصحح هذه الطريق عبد الحق ، وصحح أيضا وصله ابن عبد البر ، وقال : هذه اللفظة ، يعني : " له غنمه وعليه غرمه " اختلف الرواة في رفعها ووقفها ، فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما ووقفها غيرهم وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين أن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب وقال أبو داود في المراسيل : قوله : " له غنمه وعليه غرمه " من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري

قوله : ( لا يغلق الرهن ) يحتمل أن تكون لا نافية ، ويحتمل أن تكون ناهية قال في القاموس : غلق الرهن كفرح : استحقه المرتهن ، وذلك إذا لم يفتكه في الوقت المشروط ا هـ وقال الأزهري : الغلق في الرهن ضد الفك ، فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلق الرهن بما إذا قال الرجل : إن لم آتك بمالك فالرهن لك ، قال : ثم بلغني عنه أنه قال : إن هلك لم يذهب حق هذا ، إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه

وقد روي أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذا لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع قوله : ( له غنمه وعليه غرمه ) فيه دليل لمذهب الجمهور المتقدم ; لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ، ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه ، وذلك بما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره كما سلف

التالي السابق


الخدمات العلمية