صفحة جزء
باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة [ ص: 299 ] عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى: { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } أنها نزلت في ولي اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف وفي لفظ : أنزلت في ولي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف أخرجاهما ) .

2322 - ( وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني فقير ليس لي شيء ولي يتيم ، فقال : { كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل } رواه الخمسة إلا الترمذي وللأثرم في سننه عن ابن عمر أنه كان يزكي مال اليتيم ويستقرض منه ويدفعه مضاربة )


حديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود ، وأشار المنذري إلى أن في إسناده عمرو بن شعيب ، وفي سماع أبيه من جده مقال قد تقدم التنبيه عليه وقال في الفتح : إسناده قوي والآية المذكورة تدل على جواز أكل ولي اليتيم من ماله بالمعروف إذا كان فقيرا ووجوب الاستعفاف إذا كان غنيا ، وهذا إن كان المراد بالغني والفقير في الآية : ولي اليتيم على ما هو المشهور وقيل : المعنى في الآية اليتيم : أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه ، وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف ، فلا يكون على هذا في الآية دلالة على الأكل من مال اليتيم أصلا ، وهذا التفسير رواه ابن التين عن ربيعة ، ولكن المتعين المصير إلى الأول لقول عائشة المذكور

وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فروي عن عائشة أنه يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته ، وبه قال عكرمة والحسن وغيرهم وقيل : لا يأكل منه إلا عند الحاجة ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد : إذا أكل ثم أيسر قضى وقيل : لا يجب القضاء وقيل : إن كان ذهبا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئا إلا على سبيل القرض ، وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة ، وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس ، وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما ، أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره وقال : هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له

وقال الشافعي : يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ، ولا يجب الرد على الصحيح [ ص: 300 ] عنده والظاهر من الآية والحديث جواز الأكل مع الفقر بقدر الحاجة من غير إسراف ولا تبذير ولا تأثل ، والإذن بالأكل يدل إطلاقه على عدم وجوب الرد عند التمكن ، ومن ادعى الوجوب فعليه الدليل . قوله : ( غير مسرف ولا مبادر ) هذا مثل قوله تعالى: { ولا تأكلوها إسرافا وبدارا } أي : مسرفين ومبادرين كبر الأيتام أو لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم يفرطون في إنفاقها ويقولون : ننفق ما نشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا ولفظ أبي داود " غير مسرف ولا مبذر "

قوله : ( ولا متأثل ) قال في القاموس : أثل ماله تأثيلا : زكاه ، وأصله ، وملكه عظمه ، والأهل كساهم أفضل كسوة وأحسن إليهم ، والرجل كثر ماله انتهى . والمراد هنا أنه لا يدخر من مال اليتيم لنفسه ما يزيد على قدر ما يأكله . قال في الفتح : المتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة : هو المتخذ ، والتأثل : اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم ، وأثلة كل شيء : أصله قوله : ( إنه كان يزكي مال اليتيم . . . إلخ ) فيه أن ولي اليتيم يزكي ماله ويعامله بالقرض والمضاربة وما شابه ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية