صفحة جزء
باب أن الأذنين من الرأس وأنهما يمسحان بمائه

194 - ( قد سبق في ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه ولابن ماجه من غير وجه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الأذنان من الرأس } ) .


أراد بحديث ابن عباس الحديث قبل هذا الباب بلفظ : { مسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة } وفي الباب عن أبي أمامة عند أبي داود والترمذي وابن ماجه قال الحافظ : إنه مدرج قال الترمذي : وليس إسناده بذلك القائم . وعن عبد الله بن زيد قواه المنذري وابن [ ص: 203 ] دقيق العيد قال الحافظ : وقد ثبت أنه مدرج . وعن ابن عباس رواه البزار وأعله الدارقطني بالاضطراب وقال : إنه وهم ، أو الصواب أنه مرسل ، وعن أبي هريرة عند ابن ماجه وفيه عمرو بن الحصين وهو متروك وعن أبي موسى عند الدارقطني ، واختلف في وقفه ورفعه وصوب الوقف ، قال الحافظ : وهو منقطع ، وعن ابن عمر عند الدارقطني وأعله أيضا ، وعن عائشة عند الدارقطني أيضا وفيه محمد بن الأزهر وقد كذبه أحمد ، وعن أنس عند الدارقطني أيضا من طريق عبد الحكم عن أنس وهو ضعيف . وحديث أبي أمامة وابن عباس أجود ما في الباب ، قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي : وأما حديث أنس وابن عمر وأبي موسى وعائشة فواهية .

والحديث يدل على أن الأذنين من الرأس فيمسحان معه وهو مذهب الجمهور . ومن العلماء من قال : هما من الوجه . ومنهم من قال : المقبل من الوجه ، والمدبر من الرأس . وقد ذكرنا نسبة ذلك إلى القائلين به في باب تعاهد الماقين . قال الترمذي : العمل على هذا - يعني كون الأذنين من الرأس - عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ، وبه يقول سفيان وابن المبارك وأحمد وإسحاق ، واعتذر القائلون بأنهما ليستا من الرأس بضعف الأحاديث التي فيها الأذنان من الرأس حتى قال ابن الصلاح : إن ضعفها كثير لا ينجبر بكثرة الطرق ، ورد بأن حديث ابن عباس قد صرح أبو الحسن بن القطان أن ما أعله به الدارقطني ليس بعلة ، وصرح بأنه إما صحيح أو حسن ، واختلف في مسح الأذنين هل هو واجب أم لا ؟ فذهبت القاسمية وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل إلى أنه واجب .

وذهب من عداهم إلى عدم الوجوب . واحتجوا بحديث ابن عباس { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح داخلهما بالسبابتين وخالف بإبهاميه إلى ظاهرهما فمسح ظاهرهما وباطنهما } أخرجه النسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي ، وصححه ابن خزيمة وابن منده وقال ابن منده : لا يعرف مسح الأذنين من وجه يثبت إلا من هذه الطريق ، وبحديث الربيع وطلحة بن مصرف والصنابحي ، وأجيب عن ذلك بأنها أفعال لا تدل على الوجوب .

قالوا : أحاديث ( الأذنان من الرأس ) بعضها يقوي بعضا وقد تضمنت أنهما من الرأس فيكون الأمر بمسح الرأس أمرا بمسحهما فيثبت وجوبه بالنص القرآني . وأجيب بعدم انتهاض الأحاديث الواردة لذلك والمتيقن الاستحباب فلا يصار إلى الوجوب إلا بدليل ناهض ، وإلا كان من التقول على الله بما لم يقل .

195 - ( وعن الصنابحي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض [ ص: 204 ] خرجت الخطايا من فيه } وذكر الحديث ، وفيه : { فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه } رواه مالك والنسائي وابن ماجه ) . رجاله رجال الصحيح ، وقد ذكرناه في باب غسل ما استرسل من اللحية والكلام على أطرافه قد سبق هنالك .

وقد ساقه المصنف هنا للاستدلال به على أن الأذنين يمسحان مع الرأس قال : فقوله : ( تخرج من أذنيه إذا مسح رأسه ) دليل على أن الأذنين داخلتان في مسماه من جملته انتهى . وقد اختلف الناس في ذلك ، وقد تقدم ذكر الخلاف ، واختلفوا هل يمسحان ببقية ماء الرأس أو بماء جديد ؟ فذهب مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور والمؤيد بالله إلى أنه يؤخذ لهما ماء جديد وذهب الهادي والثوري وأبو حنيفة إلى أنهما يمسحان مع الرأس بماء واحد .

قال ابن عبد البر : وروي عن جماعة مثل هذا القول من الصحابة والتابعين ، واحتج الأولون بما في حديث عبد الله بن زيد في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم { أنه توضأ فمسح أذنيه بماء غير الماء الذي مسح به الرأس } ، أخرجه الحاكم من طريق حرملة عن ابن وهب .

قال الحافظ : إسناده ظاهره الصحة . وأخرجه البيهقي من طريق عثمان الدارمي عن الهيثم بن خارجة عن ابن وهب بلفظ : ( فأخذ لأذنيه ماء خلاف الماء الذي أخذ لرأسه ) . وقال : هذا إسناد صحيح ، لكن ذكر الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد في الإمام أنه رأى في رواية ابن المقبري عن ابن قتيبة عن حرملة بهذا الإسناد ولفظه : ( ومسح برأسه بماء غير فضل يديه لم يذكر الأذنين ) .

قال الحافظ : قلت : كذا هو في صحيح ابن حبان عن ابن سلم عن حرملة ، وكذا رواه الترمذي عن علي بن خشرم عن ابن وهب ، وقال عبد الحق : ورد الأمر بتجديد الماء للأذنين من حديث نمران بن جارية عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعقبه ابن القطان بأن الذي في رواية جارية بلفظ : ( خذ للرأس ماء جديدا ) رواه البزار والطبراني .

وروي في الموطإ عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا توضأ يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه ، وصرح الحافظ في بلوغ المرام بعد أن ذكر حديث البيهقي السابق أن المحفوظ ما عند مسلم من هذا الوجه بلفظ : ( ومسح برأسه بماء غير فضل يديه ) . وأجاب القائلون أنهما يمسحان بماء الرأس بما سلف من إعلال هذا الحديث قالوا : فيوقف على ما ثبت من مسحهما مع الرأس كما في حديث ابن عباس والربيع وغيرهما ، قال ابن القيم في الهدي : لم يثبت عنه أنه أخذ لهما ماء جديدا وإنما صح ذلك عن ابن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية