صفحة جزء
باب تملك زرع الغالب بنفقته وقلع غرسه [ ص: 382 ] عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته } رواه الخمسة إلا النسائي وقال البخاري : هو حديث حسن )

2433 - ( وعن عروة بن الزبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أحيا أرضا فهي له ، وليس لعرق ظالم حق } ، قال : ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث : { أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه ، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها ، قال : رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفؤوس وإنها لنخل عم } رواه أبو داود والدارقطني )


حديث رافع ضعفه الخطابي ، ونقل عن البخاري تضعيفه ، وهو خلاف ما نقله الترمذي عن البخاري من تحسينه وضعفه أيضا البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع ، قال أبو زرعة : لم يسمع عطاء من رافع ، وكان موسى بن هارون يضعف هذا الحديث ويقول : لم يروه غير شريك ، ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق ، ولكن قد تابعه قيس بن الربيع وهو سيئ الحفظ وقد أخرج هذا الحديث أيضا البيهقي والطبراني وابن أبي شيبة والطيالسي وابن ماجه وأبو يعلى وحكى ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه قال : إن أبا إسحاق زاد في هذا الحديث " زرع بغير إذنهم " وليس غيره يذكر هذا الحرف وحديث عروة سكت عنه أبو داود والمنذري ، وحسن الحافظ في بلوغ المرام إسناده وفي رواية لأبي داود : { فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري : فأنا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل } وأول حديث عروة هذا قد تقدم في كتاب الإحياء من حديث سعيد بن زيد وأخرج أبو داود من حديث جعفر بن محمد بن علي عن أبيه الباقر عن سمرة بن جندب { أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار ، قال : ومع الرجل أهله ، قال : وكان سمرة يدخل إلى نخله فيتأذى به الرجل ويشق عليه ، فطلب إليه أن يناقله فأبى ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فطلب إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يبيعه فأبى ، فطلب إليه أن يناقله فأبى قال : فهبه لي [ ص: 383 ] ولك كذا وكذا أمرا رغبه فيه ، فأبى ، فقال : أنت مضار ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأنصاري : اذهب فاقلع نخله } وفي سماع الباقر من سمرة بن جندب نظر ، فقد نقل من مولده ووفاة سمرة ما يتعذر معه سماعه

قوله : ( فليس له من الزرع شيء ) فيه دليل على أن من غصب أرضا وزرعها كان الزرع للمالك للأرض ، وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض قال الترمذي : والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم ، وهو قول أحمد وإسحاق قال ابن رسلان : وقد استدل به كما قال الترمذي وأحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو إما أن يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد ، فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع فإن الزرع لغاصب الأرض لا يعلم فيه خلاف ، وذلك لأنه نماء ماله ، وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها وإن أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع فيها قائم لم يملك إجبار الغاصب على قلعه ، وخير المالك بين أن يدفع إليه نفقته ويكون الزرع له ، أو يترك الزرع للغاصب وبهذا قال أبو عبيد

وقال الشافعي وأكثر الفقهاء : إن صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم { ليس لعرق ظالم حق } ويكون الزرع لمالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض ومن جملة ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم { أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه ، فقال : ما أحسن زرع ظهير ، فقال : إنه ليس لظهير ولكنه لفلان ، قال : فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته } فدل على أن الزرع تابع للأرض ولا يخفى أن حديث رافع بن خديج أخص من قوله صلى الله عليه وسلم { ليس لعرق ظالم حق } مطلقا فيبنى العام على الخاص ، وهذا على فرض أن قوله " ليس لعرق ظالم حق " يدل على أن الزرع لرب البذر فيكون الراجح ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن الزرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه والزرع فيها وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضا لرب الأرض ، ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب كان مخصصا لهذه الصورة

وقد روي عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون ، في البحر أن مالكا والقاسم يقولان : الزرع لرب الأرض واحتج لما ذهب إليه الجمهور من أن الزرع للغاصب بقوله صلى الله عليه وسلم : { الزرع للزارع وإن كان غاصبا } ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه وقال ابن رسلان : إن حديث " ليس لعرق ظالم حق " ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض ، وحديث رافع ورد في الزرع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهم في موضعه ، ولكن ما ذكرناه من الجمع أرجح ، لأن بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب [ ص: 384 ] من غير ضرورة

والمراد بقوله : " وله نفقته " ما أنفقه الغاصب على الزرع من المئونة في الحرث والسقي وقيمة البذر وغير ذلك وقيل : المراد بالنفقة قيمة الزرع ، فتقدر قيمته ويسلمها المالك ، والظاهر الأول قوله : ( وليس لعرق ظالم حق ) قد تقدم ضبطه وتفسيره في أول كتاب الإحياء قوله : ( وأمر صاحب النخل . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يجوز الحكم على من غرس في أرض غيره غروسا بغير إذنه بقطعها قال ابن رشد في النهاية : أجمع العلماء على أن من غرس نخلا أو ثمرا وبالجملة نباتا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع ، ثم قال : إلا ما روي عن مالك في المشهور أن من زرع فله زرعه وكان على الزارع كراء الأرض

وقد روي عنه ما يشبه قول الجمهور ، ثم قال : وفرق قوم بين الزرع والثمار إلى آخر كلامه قوله : ( عم ) بضم المهملة وتشديد الميم جمع عميمة : وهي الطويلة ، وفي القاموس ما يدل على أنه يجوز فتح أوله ; لأنه قال بعد تفسيره بالنخل الطويل : ويضم

التالي السابق


الخدمات العلمية