صفحة جزء
باب جواز المسح على العمامة .

199 - - ( عن { عمرو بن أمية الضمري قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه . } رواه أحمد والبخاري وابن ماجه ) . [ ص: 208 ]

200 - ( وعن بلال قال : { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والخمار . } رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود وفي رواية لأحمد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { امسحوا على الخفين والخمار ) . }

201 - ( وعن المغيرة بن شعبة قال : { توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة . } رواه الترمذي وصححه ) .


أخرج حديث المغيرة بن شعبة أيضا مسلم في صحيحه بلفظ : { فمسح بناصيته وعلى العمامة وعلى الخفين } ولم يخرجه البخاري . قال الحافظ : وقد وهم المنذري فعزاه إلى المتفق عليه ، وتبع في ذلك ابن الجوزي فوهم ، وقد تعقبه ابن عبد الهادي ، وصرح عبد الحق في الجمع بين الصحيحين أنه من أفراد مسلم ، وقد أعل حديث عمرو بن أمية المذكور في الباب بتفرد الأوزاعي بذكر العمامة حتى قال ابن بطال : إنه قال الأصيلي : ذكر العمامة في هذا الباب من خطإ الأوزاعي لأن شيبان وغيره رووه عن يحيى بدونها فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد ، قال وأما متابعة معمر فليس فيها ذكر العمامة ، وهي أيضا مرسلة ; لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو . قال الحافظ : سماعه منه ممكن فإنه مات بالمدينة سنة ستين ، وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس ، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو .

وقد أخرجه ابن منده من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه ، وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته لأنها تكون من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل ، ولا تكون شاذة ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية ، وقد أطال الكلام على ذلك ابن سيد الناس في شرح الترمذي فليرجع إليه .

وفي الباب عن أبي أمامة عند الطبراني بلفظ : { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخفين والعمامة في غزوة تبوك } وعن أبي موسى الأشعري عند الطبراني أيضا بلفظ : { أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فمسح على الجوربين والنعلين والعمامة } قال الطبراني : تفرد به عيسى بن سنان . وعن خزيمة بن ثابت عند الطبراني : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمسح على الخفين والخمار } وعن أبي طلحة في كتاب مكارم الأخلاق للخرائطي بلفظ : { مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخمار والخفين } وقد روي عن جماعة من الصحابة .

وفي الباب عن سلمان وثوبان ، وسيأتي ذلك .

وقد اختلف الناس في المسح على العمامة ، فذهب إلى جوازه الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبو ثور [ ص: 209 ] وداود بن علي ، وقال الشافعي : إن صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فبه أقول . قال الترمذي : وهو قول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو بكر وعمر وأنس ، ورواه ابن رسلان عن أبي أمامة وسعد بن مالك وأبي الدرداء وعمر بن عبد العزيز والحسن وقتادة ومكحول .

وروى الخلال بإسناده عن عمر أنه قال : من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله . ورواه في الفتح عن الطبري وابن خزيمة وابن المنذر .

واختلفوا هل يحتاج الماسح على العمامة إلى لبسها على طهارة أو لا يحتاج ؟ فقال أبو ثور : لا يمسح على العمامة والخمار إلا من لبسهما على طهارة قياسا على الخفين ، ولم يشترط ذلك الباقون ، وكذلك اختلفوا في التوقيت ، فقال أبو ثور أيضا إن وقته كوقت المسح على الخفين ، وروي مثل ذلك عن عمر ، والباقون لم يوقتوا . قال ابن حزم : { إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة والخمار ولم يوقت ذلك بوقت } .

وفيه أن الطبراني قد روى من حديث أبي أمامة { أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثا في السفر ، ويوما وليلة في الحضر } لكن في إسناده مروان أبو سلمة . قال ابن أبي حاتم : ليس بالقوي . وقال البخاري : منكر الحديث . وقال الأزدي : ليس بشيء . وسئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال : ليس بصحيح . استدل القائلون بجواز المسح على العمامة بما ذكره المصنف ، وذكرناه في هذا الباب من الأحاديث .

وذهب الجمهور كما قاله الحافظ في الفتح إلى عدم جواز الاقتصار على مسح العمامة ، ونسبه المهدي في البحر إلى الكثير من العلماء .

قال الترمذي وقال غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : لا يمسح على العمامة إلا أن يمسح برأسه مع العمامة وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي ، وإليه ذهب أيضا أبو حنيفة ، واحتجوا بأن الله فرض المسح على الرأس .

والحديث في العمامة محتمل التأويل فلا يترك المتيقن للمحتمل ، والمسح على العمامة ليس بمسح على الرأس ، ورد بأنه أجزأ المسح على الشعر ولا يسمى رأسا . فإن قيل : يسمى رأسا مجازا بعلاقة المجاورة قيل : والعمامة كذلك بتلك العلاقة ، فإنه يقال : قبلت رأسه ، والتقبيل على العمامة .

والحاصل أنه قد ثبت المسح على الرأس فقط وعلى العمامة فقط ، وعلى الرأس والعمامة ، والكل صحيح ثابت فقصر الإجزاء على بعض ما ورد لغير موجب ليس من دأب المنصفين . قوله : ( والخمار ) هو بكسر الخاء المعجمة النصيف ، وكل ما ستر شيئا فهو خماره ، كذا في القاموس ، والمراد به هنا العمامة كما صرح بذلك النووي في شرح مسلم قال : لأنها تخمر الرأس أي تغطيه . ويؤيده الحديث الذي بعد هذا .

202 - وعن سلمان { أنه رأى رجلا قد أحدث وهو يريد أن يخلع خفيه فأمره [ ص: 210 ] سلمان أن يمسح على خفيه وعلى عمامته وقال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على خفيه وعلى خماره } .

203 - ( وعن ثوبان قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ ومسح على الخفين والخمار . } رواهما أحمد ) .

204 - ( وعن ثوبان قال : { بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين . } رواه أحمد وأبو داود . العصائب : العمائم ، والتساخين : الخفاف ) . حديث سلمان أخرجه أيضا الترمذي في العلل ، ولكنه قال : مكان ، وعلى خماره ( وعلى ناصيته ) وفي إسناده أبو شريح ، قال الترمذي : سألت محمد بن إسماعيل عنه ما اسمه ؟ فقال : لا أدري ، لا أعرف اسمه .

وفي إسناده أيضا أبو مسلم مولى زيد بن صوحان ، وهو مجهول . قال الترمذي : لا أعرف اسمه ، ولا أعرف له غير هذا الحديث .

وأما حديث ثوبان الأول فأخرجه أيضا الحاكم والطبراني . وحديثه الثاني في إسناده راشد بن سعد عن ثوبان . قال الخلال في علله : إن أحمد قال : لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما . والأحاديث تدل على أنه يجزئ المسح على العمامة ، وقد تقدم الكلام عليه . وتدل على جواز المسح على الخف وسيأتي .

قوله : ( العصائب ) هي العمائم كما قال المصنف ، وبذلك فسرها أبو عبيد ، سميت بذلك لأن الرأس يعصب بها ، فكل ما عصبت به رأسك من عمامة أو منديل أو عصابة فهو عصابة . قوله : ( والتساخين ) بفتح التاء الفوقية والسين المهملة المخففة وبالخاء المعجمة هي : الخفاف كما قال المصنف رحمه الله. قال ابن رسلان : ويقال : أصل ذلك كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها ، وقيل : واحدها تسخان وتسخن هكذا في كتب اللغة والغريب .

التالي السابق


الخدمات العلمية