صفحة جزء
[ ص: 5 ] باب ما جاء في قبول هدايا الكفار والإهداء لهم 2473 - ( عن علي رضي الله عنه قال : { أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل ، وأهدت له الملوك فقبل منها } رواه أحمد والترمذي ) .

2474 - ( وفي حديث عن بلال المؤذن قال : { انطلقت حتى أتيته ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أربع ركائب مناخات عليهن أحمالهن فاستأذنت ، فقال لي : أبشر فقد جاءك الله بقضائك ، قال : ألم تر الركائب المناخات الأربع ؟ فقلت : بلى ، فقال : إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة وطعاما أهداهن إلي عظيم فدك فاقبضهن واقض دينك ، ففعلت } . مختصر لأبي داود ) .


حديث علي أخرجه أيضا البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه ، ولم يذكره صاحب مجمع الزوائد في باب هدايا الكفار ، وقد حسنه الترمذي ، وفي إسناده نوير بن أبي فاختة وهو ضعيف وحديث بلال سكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده ثقات ، وهو حديث طويل أورده أبو داود في باب : الإمام يقبل هدايا المشركين ، من كتاب الخراج ، وفيه : { أن بلالا كان يتولى نفقة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان إذا أتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان مسلما عاريا يأمر بلالا أن يستقرض له البرد حتى لزمته ديون فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأربع الركائب وما عليها } .

وفي الباب عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي قال : { لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أهدية أم صدقة ؟ فإن كانت هدية فإنما نبتغي بها وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاء الحاجة ، وإن كانت صدقة فإنما يبتغى بها وجه الله ، قالوا : لا ، بل هدية ، فقبلها منهم } .

وعن أنس عند الشيخين : { أن أكيدر دومة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة سندس } ولأبي داود : { أن ملك الروم أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستقة سندس فلبسها } الحديث والمستقة بضم الفوقانية وفتحها : [ ص: 6 ] الفروة الطويلة الكمين وجمعها مساتق

وعن أنس أيضا عند أبي داود : { أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها } وعن علي أيضا عند الشيخين : { أن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال : شققه خمرا بين الفواطم } وعن أبي حميد الساعدي عند البخاري قال : { غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تبوك ، وأهدى ابن العلماء للنبي صلى الله عليه وسلم بردا ، وكتب له ببحرهم ، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول صاحب أيلة بكتاب ، وأهدى إليه بغلة بيضاء } الحديث وفي مسلم : { أهدى فروة الجذامي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء ركبها يوم حنين } وعن بريدة عند إبراهيم الحربي وابن خزيمة وابن أبي عاصم : { أن أمير القبط أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين وبغلة ، فكان يركب البغلة بالمدينة ، وأخذ إحدى الجاريتين لنفسه فولدت له إبراهيم ووهب الأخرى لحسان } وفي كتاب الهدايا لإبراهيم الحربي : { أهدى يوحنا بن رؤبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء } وعن أنس أيضا عند البخاري وغيره : { أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها } الحديث

والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول الهدية من الكافر ، ويعارضها حديث عياض بن حمار الآتي ، وسيأتي الجمع بينها وبينه

2475 - ( وعن أسماء بنت أبي بكر قالت : { أتتني أمي راغبة في عهد قريش وهي مشركة ، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أصلها ؟ قال : نعم } متفق عليه زاد البخاري قال ابن عيينة : فأنزل الله فيها : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } ومعنى راغبة : أي طامعة تسألني شيئا ) .

2476 - ( وعن عامر بن عبد الله بن الزبير قال : { قدمت قتيلة ابنة عبد العزى بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب وأقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها ، فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين } إلى آخر الآية ، فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها } رواه أحمد ) حديث عامر بن عبد الله بن الزبير ذكره المصنف هكذا مرسلا ولم يقل عن أبيه وقد أخرجه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير وأخرجه أيضا الطبراني [ ص: 7 ] كأحمد ، وفي إسنادهما مصعب بن ثابت ضعفه أحمد وغيره ، ووثقه ابن حبان قوله : ( أتتني أمي ) في رواية للبخاري في الأدب مع ابنها ، وذكر الزبير أن اسم ابنها المذكور الحارث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن مخزوم قوله : ( راغبة ) اختلف في تفسيره ، فقيل : ما ذكره المصنف من أنها راغبة في شيء تأخذه من بنتها وهي على شركها وقيل : راغبة في الإسلام وتعقب بأن الرغبة لو كانت في الإسلام لم يحتج إلى الاستئذان وقيل : معناه راغبة عن ديني وقيل : راغبة في القرب مني ومجاورتي

ووقع في رواية لأبي داود " راغمة " بالميم : أي كارهة للإسلام ، ولم تقدم مهاجرة قوله : ( قال : نعم ) فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر ، والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقا من القريب وغيره ولا منافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى: { لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية ، فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل ، والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل ، وأيضا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهي عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى: { وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } ومنها أيضا : حديث ابن عمر عند البخاري وغيره : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم }

قوله : ( قال ابن عيينة . . . إلخ ) لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا ألين جانبا للمسلمين وأحسن أخلاقا من سائر الكفار ، لأن السبب خاص واللفظ عام ، فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء ، كذا قال الحافظ ، ولا يخفى ما فيه لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه وقيل : إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا قوله ( : قتيلة ) بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية مصغرا ووقع عند الزبير بن بكار أن اسمها قيلة بفتح القاف وسكون التحتية ، وضبطه ابن ماكولا بسكون الفوقية

قوله : ( ضباب وأقط ) في رواية غير أحمد " زبيب وسمن وقرظ " ووقع في نسخة من هذا الكتاب قرظ مكان أقط قوله : ( فأمرها أن تقبل هديتها . . . إلخ ) فيه دليل على جواز قبول هدية المشرك كما في الأحاديث السالفة ، وعلى جواز إنزاله منازل المسلمين

2477 - ( وعن عياض بن حمار : أنه { أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية أو ناقة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أسلمت ؟ قال : لا ، قال : إني نهيت عن زبد المشركين } رواه أحمد [ ص: 8 ] وأبو داود والترمذي وصححه ) الحديث صححه أيضا ابن خزيمة .

وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي { أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مشرك ، فأهدى له ، فقال : إني لا أقبل هدية مشرك } الحديث قال في الفتح : رجاله ثقات إلا أنه مرسل ، وقد وصله بعضهم ولا يصح قوله : ( زبد المشركين ) بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها دال . قال في الفتح : هو الرفد ا هـ . يقال : زبده يزبده بالكسر ، وأما يزبده بالضم : فهو إطعام الزبد قال الخطابي : يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخا لأنه صلى الله عليه وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين ، وقيل : إنما ردها ليغيظه فيحمله ذلك على الإسلام

وقيل : ردها لأن للهدية موضعا من القلب ، ولا يجوز أن يميل إليه بقلبه ، فردها قطعا لسبب الميل ، وليس ذلك مناقضا لقبول هدية النجاشي وأكيدر دومة والمقوقس لأنهم أهل كتاب ، كذا في النهاية وجمع الطبري بين الأحاديث فقال : الامتناع فيما أهدي له خاصة ، والقبول فيما أهدي للمسلمين ، وفيه نظر ، لأن من جملة أدلة الجواز السابقة ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وسلم خاصة ، وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة ، والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه على الإسلام قال الحافظ : وهذا أقوى من الذي قبله وقيل : يمتنع ذلك لغيره من الأمراء ، ويجوز له خاصة

وقال بعضهم : إن أحاديث الجواز منسوخة بحديث الباب عكس ما تقدم عن الخطابي ، ولا يخفى أن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال ، وكذلك الاختصاص وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني ، ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية قال الحافظ في الفتح : وفيه فساد قول من حمل رد الهدية على الوثني دون الكتابي ، وذلك لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني

التالي السابق


الخدمات العلمية