صفحة جزء
باب في أن تبرعات المريض من الثلث 2530 - ( عن أبي زيد الأنصاري : { أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم ، فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة } رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه : { لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين } )

2531 - ( وعن عمران بن حصين : { أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته [ ص: 52 ] لم يكن له مال غيرهم ، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم ، فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا } رواه الجماعة إلا البخاري وفي لفظ : { إن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة له ، فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع ، قال : أو فعل ذلك لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين وأرق أربعة } رواه أحمد واحتج بعمومه من سوى بين متقدم العطايا ومتأخرها ، لأنه لم يستفصل هل أعتقهم بكلمة أو بكلمات )


حديث أبي زيد أخرجه أيضا النسائي ، وسكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجال إسناده رجال الصحيح قوله : ( أعتق ستة أعبد عند موته ) قال القرطبي : ظاهره أنه نجز عتقهم في مرضه قوله : ( فأقرع بينهم ) هذا نص في اعتبار القرعة شرعا ، وهو حجة لمالك والشافعي وأحمد والجمهور على أبي حنيفة حيث يقول : القرعة من القمار وحكم الجاهلية ، ويعتق من كل واحد من العبيد ثلثه ويستسعي في باقيه ولا يقرع بينهم ، وبمثل ذلك قالت الهادوية

قوله : ( فأعتق اثنين وأرق أربعة ) في هذا أيضا حجة على أبي حنيفة ومن معه حيث يقولون : يعتقون جميعا قال ابن عبد البر : في هذا القول ضروب من الخطأ والاضطراب قال ابن رسلان : وفيه ضرر كثير ، لأن الورثة لا يحصل لهم شيء في الحال أصلا ، وقد لا يحصل من السعاية شيء أو يحصل في الشهر خمسة دراهم أو أقل ، وفيه ضرر على العبيد لإلزامهم السعاية من غير اختيارهم قوله : ( لو شهدته قبل أن يدفن . . . إلخ ) هذا تفسير للقول الشديد الذي أبهم في الرواية الأخرى ، وفيه تغليظ شديد وذم متبالغ ، وذلك لأن الله سبحانه لم يأذن للمريض بالتصرف إلا في الثلث ، فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفا لحكم الله تعالى ومشابها لمن وهب غير ماله

قوله : ( فجزأهم ) بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان : أي قسمهم وظاهره أنه اعتبر عدد أشخاصهم دون قيمتهم ، وإنما فعل ذلك لتساويهم في القيمة والعدد قال ابن رسلان : فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بد من تعديلهم بالقيمة مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ثلث الميت في القيمة قوله : ( رجلة ) بفتح الراء وسكون الجيم جمع رجل قوله : ( ما صلينا عليه ) هذا أيضا من تفسير القول الشديد المبهم في الرواية المتقدمة

والحديثان يدلان على أن تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزة في الحال ولم تضف إلى ما بعد الموت ، وقد قدمنا حكاية الإجماع على المنع من الوصية بأزيد من الثلث لمن كان له وارث ، والتنجيز حال المرض المخوف حكمه حكم الوصية واختلفوا هل يعتبر ثلث التركة حال الوصية أو حال الموت وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد [ ص: 53 ] والهادوية ، وهو قول علي رضي الله عنه وجماعة من التابعين وقال بالأول مالك وأكثر العراقيين والنخعي وعمر بن عبد العزيز ، وتمسكوا بأن الوصية عقد ، والعقود تعتبر بأولها ، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حال النذر اتفاقا وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل وجه ، ولذلك لا يعتبر فيها الفورية ولا القبول بالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع فيها والنذر يلزم ، وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية

واختلفوا أيضا هل يحسب الثلث من جميع المال أو يتقيد بما علمه الموصي دون ما خفي عليه أو تجدد له ولم يعلم به ، وبالأول قال الجمهور ، وبالثاني قال مالك وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر مقدار المال حال الوصية اتفاقا ، ولو كان عالما بجنسه فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك

التالي السابق


الخدمات العلمية