صفحة جزء
باب أن ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته [ ص: 63 ] عن سعد الأطول : { أن أخاه مات وترك ثلاث مائة درهم وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخاك محتبس بدينه فاقض عنه ، فقال : يا رسول الله قد أديت عنه إلا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة ، قال : فأعطها فإنها محقة } رواه أحمد وابن ماجه )


الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا عفان قال : حدثنا حماد بن سلمة قال : أخبرني عبد الملك أبو جعفر عن أبي نضرة عن سعد الأطول فذكره وعبد الملك هو أبو جعفر ولا يعرف اسم أبيه وقيل : إنه ابن أبي نضرة ، وقد وثقه ابن حبان ومن عداه من رجال الإسناد فهم رجال الصحيح وأخرجه أيضا سعد وعبد بن حميد وابن قانع والبارودي والطبراني في الكبير والضياء في المحتارة ، وهو في مسند أحمد بهذا الإسناد فإنه قال : حدثنا عفان فذكره

وفيه دليل على تقديم إخراج الدين على ما يحتاج إليه من نفقة أولاد الميت ونحوها ، ولا أعلم في ذلك خلافا وهكذا يقدم الدين على الوصية قال في الفتح : ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية إلا في صورة واحدة ، وهي ما لو أوصى لشخص بألف مثلا وصدقه الوارث ، وحكم به ، ثم ادعى آخر أن له في ذمة الميت دينا يستغرق موجوده وصدقة الوارث ، ففي وجه للشافعية أنها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة

وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى { : من بعد وصية يوصي بها أو دين } فقد قيل في ذلك : إن الآية ليس فيها صيغة ترتيب ، بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وإنفاذ الوصية ، وأتى بأو للإباحة ، وهي كقولك : جالس زيدا أو عمرا : أي لك مجالسة كل واحد منهما اجتمعا أو افترقا وإنما قدمت لمعنى اقتضى الاهتمام بتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور : أحدها : الخفة والثقل كربيعة ومضر ، فمضر أشرف من ربيعة ، لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ ثانيها : بحسب الزمان كعاد وثمود ثالثها : بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها : بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة ، لأن الصلاة حق البدن ، والزكاة حق المال ، فالبدن مقدم على المال خامسها : تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى { : عزيز حكيم } [ ص: 64 ] وقال بعض السلف : عز فلما عز حكم ، سادسها : بالشرف والفضل كقوله تعالى : { من النبيين والصديقين } وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي أن تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين ، فإنه إنما يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط ، فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل

وقال غيره : قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض ، والدين يؤخذ بعوض ، فكان إخراج الوصية أشق على الوارث من إخراج الدين وكان أداؤها مظنة للتفريط ، بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه ، فقدمت الوصية لذلك ، وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا ، والدين حظ غريم يطلبه بقوة وله مقال ، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن لصاحب الدين مقالا } وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحريضا على العمل بها خلاف الدين قال الزين بن المنير : تقديم الوصية في الذكر على الدين لا يقتضي تقديمها في المعنى لأنهما معا قد ذكرا في سياق البعدية ، لكن الميراث يلي الوصية ولا يلي الدين في اللفظ ، بل هو بعد بعده ، فيلزم أن الدين يقدم في الأداء باعتبار القبلية فيقدم الدين على الوصية ، وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين ا هـ . وقد أخرج أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحارث الأعور عن علي عليه سلام الله ورضوانه قال قضى محمد صلى الله عليه وسلم { أن الدين قبل الوصية } ، وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين والحديث وإن كان إسناده ضعيفا لكنه معتضد بالاتفاق الذي سلف قال الترمذي : إن العمل عليه عند أهل العلم

قوله : ( قد أديت عنه ) فيه دليل على أنه يجوز للوصي أن يستقل بنفسه في قضاء ديون الميت لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليه ذلك قال في البحر : مسألة : وللوصي استيفاء ديون الميت وإيفاؤها إجماعا لنيابته عنه ا هـ قوله : ( فإنها محقة ) لعله صلى الله عليه وسلم حكم بعلمه أو بوحي

التالي السابق


الخدمات العلمية