صفحة جزء
باب النهي عن الخلوة بالأجنبية والأمر بغض النظر والعفو عن نظر الفجأة 2645 - ( عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها ، فإن ثالثهما الشيطان } ) .

2646 - ( وعن عامر بن ربيعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له ، فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم } رواهما أحمد ، وقد سبق معناه لابن عباس في حديث متفق عليه ) .

2647 - ( وعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ، ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ، ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد } ) .

2648 - ( وعن جرير بن عبد الله قال : { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة ؟ فقال : اصرف بصرك } رواهما أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي )

2649 - ( وعن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي { يا علي لا تتبع النظرة [ ص: 134 ] النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة } رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .

2650 - ( وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت } رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه قال : ومعنى الحمو يقال : هو أخو الزوج كأنه كره أن يخلو بها )


حديث جابر وعامر يشهد لهما حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف ، وقد تقدم في باب النهي عن سفر المرأة للحج من كتاب الحج ، وقد أشار الترمذي إلى حديث عامر وحديث بريدة قال الترمذي : حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك ، وأخرجه بهذا اللفظ من حديث علي البزار والطبراني في الأوسط . قال في مجمع الزوائد : ورجال الطبراني ثقات ، والخلوة بالأجنبية مجمع على تحريمها كما حكى ذلك الحافظ في الفتح وعلة التحريم ما في الحديث من كون الشيطان ثالثهما وحضوره يوقعهما في المعصية ، وأما مع وجود المحرم فالخلوة بالأجنبية جائزة لامتناع وقوع المعصية مع حضوره . واختلفوا هل يقوم غيره مقامه في ذلك كالنسوة الثقات ؟ فقيل : يجوز لضعف التهمة وقيل : لا يجوز وهو ظاهر الحديث .

وحديث أبي سعيد أخرج نحوه أحمد والحاكم من حديث جابر ، وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس ، وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط من حديث أبي موسى ، وأخرجه أيضا البزار من حديث سمرة قوله : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يحرم على الرجل نظر عورة الرجل ، وعلى المرأة نظر عورة المرأة ، وقد تقدم في كتاب الصلاة بيان العورة من الرجل ، والعورة من المرأة والمراد هنا العورة المغلظة قال في البحر : فصل : يجب ستر العورة المغلظة من غير من له الوطء إجماعا لقوله : " احفظ عورتك " الخبر ونحوه انتهى . قوله : ( ولا يفضي الرجل . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يحرم أن يضطجع الرجل مع الرجل أو المرأة مع المرأة في ثوب واحد مع الإفضاء ببعض البدن ; لأن ذلك مظنة لوقوع المحرم من المباشرة أو مس العورة أو غير ذلك

وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمد لا يوجب إثم الناظر لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة ، وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعمد أو ترك صرف البصر بعد نظر الفجأة وقد استدل بذلك من قال بتحريم النظر إلى الأجنبية ولم يحكه في البحر إلا عن المؤيد بالله وأبي طالب وحكي في البحر أيضا عن الفقهاء والإمام يحيى أنه يجوز ولو لشهوة وتعقبه صاحب [ ص: 135 ] المنار أن كتب الفقهاء ناطقة بالتحريم

قال : ففي منهاج النووي وهو عمدتهم : ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة أجنبية ، وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة ، وكذا عند الأمن على الصحيح ثم قال في نظر الأجنبية إلى الأجنبي : كهو إليها وفي المنتهى من كتب الحنابلة : ولشاهد ومعامل نظر وجه مشهود عليها ، ومن تعامله ، وكفيها لحاجة ، والحنفية لا يجيزون النظر إلى الوجه والكفين مع الشهوة ولفظ الكنز : ولا ينظر من اشتهى قال الشارح العيني في الشاهد : لا يجوز له وقت التحمل أن ينظر إليها بشهوة ، هذا ما تعقب به صاحب المنار

قال في بهجة المحافل للعامري الشافعي في حوادث السنة الخامسة ما لفظه : وفيها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الإسلام جميلة ، ولم يكن لأحد بعده النظر إلى أجنبية لشهوة أو لغير شهوة ، وعفي عن نظر الفجأة انتهى .

وفي شرح السيلقية للإمام يحيى في شرح الحديث الرابع والعشرين في شرح قوله : { إياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة } : التصريح بتحريم النظر إلى النساء الأجانب لشهوة أو لغير شهوة

وقال ابن مظفر في البيان : إنه يحرم النظر إلى الأجنبية مع الشهوة اتفاقا وقال الإمام عز الدين في جواب له : والصحيح المعمول عليه رواية شرح الأزهار وهي رواية البحر أن الإمام يحيى ومن معه يجوزون النظر ولو مع شهوة ا هـ . ومن جملة ما استدل به المانعون من النظر مطلقا قوله تعالى: { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } وقوله تعالى: { فاسألوهن من وراء حجاب } وأجيب بأن ذلك خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم لأنه إنما شرع قطعا لذريعة وقوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ولا يخفى أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ومن جملة ما استدلوا به حديث ابن عباس عند البخاري : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه ، وفيه قصة المرأة الوضيئة الخثعمية ، فطفق الفضل ينظر إليها ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بذقن الفضل فحول وجهه عن النظر إليها } وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما فعل ذلك لمخافة الفتنة لما أخرجه الترمذي وصححه من حديث علي ، وفيه : { فقال العباس : لويت عنق ابن عمك ، فقال : رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة } وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها بتغطية وجهها ، فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ، ولو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه

وهذا الحديث أيضا يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم ; لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة كما تقدم وأما قوله تعالى: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } فروى البيهقي عن ابن عباس أن المراد بما ظهر : الوجه والكفان . وروى البيهقي أيضا عن عائشة نحوه ، وكذلك روى الطبراني عنها وروى الطبراني أيضا [ ص: 136 ] عن ابن عباس قال : هي الكحل وروى نحو ذلك عنه البيهقي وقال في الكشاف : الزينة : ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب ، فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب ، وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لهؤلاء المذكورين ; وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر ; لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن ، فنهي عن إبداء الزين نفسها ليعلم أن النظر إليها إذا لم يحل لملابستها تلك المواقع ، بدليل أن النظر إليها من غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها انتهى

والحاصل أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو إليه الحاجة عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة ، فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة ، وهذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع ، وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثنى قوله : ( الحمو الموت ) أي الخوف منه أكثر من غيره كما أن الخوف من الموت أكثر من الخوف من غيره قال الترمذي : يقال : هو أخو الزوج ، وروى مسلم عن الليث أنه قال : الحمو : أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ، ابن العم ونحوه

وقال النووي : اتفق أهل اللغة على أن الأحماء : أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم ، وأن الأختان : أقارب زوجة الرجل ، وأن الأصهار تقع على النوعين ا هـ

التالي السابق


الخدمات العلمية