صفحة جزء
باب في غير أولي الإربة [ ص: 138 ] عن أم سلمة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها وفي البيت مخنث ، فقال لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة : يا عبد الله إن فتح الله عليكم في الطائف فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا يدخلن هؤلاء عليكم } متفق عليه ) .

2654 - ( وعن عائشة قالت : { كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مخنث ، قالت : وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة ، قال : إذا أقبلت أقبلت بأربع ، وإذا أدبرت أدبرت بثمان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أرى هذا يعرف ما ههنا لا يدخلن عليكم هذا ، فحجبوه } رواه أحمد ومسلم وأبو داود وزاد في رواية له : وأخرجه وكان بالبيداء يدخل كل جمعة يستطعم ) وعن الأوزاعي في هذه القصة { : فقيل : يا رسول الله إنه إذن يموت من الجوع ؟ فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع - } رواه أبو داود


قوله : ( مخنث ) بفتح النون وكسرها والفتح المشهور : وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء ، وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ، ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ، ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولي الإربة ، وكن لا يحجبنه إلا إن ظهر منه ما ظهر من هذا الكلام

واختلف في اسمه ، فقال القاضي : الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ساكنة ثم فوقية ، وقيل : صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه ، وقال : إن ما سواه تصحيف وإنه الأحمق المعروف ، وقيل : اسمه ماتع بالمثناة فوق : مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن عائذ . قوله : ( تقبل بأربع وتدبر بثمان ) المراد بالأربع هي العكن جمع عكنة ، وهي الطية التي تكون في البطن من كثرة السمن ، يقال : تعكن البطن : إذا صار ذلك فيه ، ولكل عكنة طرفان ، فإذا رآهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا وقال ابن حبيب عن مالك : معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض ، وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطارفها إلى خاصرتها ، [ ص: 139 ] وفي كل جانب أربع ، قال الحافظ : وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء ، وجرت عادة الرجال في الرغبة فيمن تكون بتلك الصفة

وقيل : الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان ، والثمان : الكتفان والمتنتان والأليتان والساقان ، ولا يخفى ضعف ذلك لأن كل امرأة فيها ما ذكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام قوله : ( هؤلاء ) إشارة إلى جميع المخنثين وروى البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة : مانع ، وهدم وهيت

قوله : ( من غير أولي الإربة ) الإربة والإرب : الحاجة والشهوة . قيل : ويحتمل أنهم التابعون الذين يتبعون الرجل ليصيبوا من طعامه ولا حاجة لهم إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة . قوله : ( أرى هذا . . . إلخ ) بفتح الهمزة والراء قال القرطبي : هذا يدل أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال ، ويشبه أن التخنيث كان فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف منه إلا ذلك ، ولهذا كانوا يعدونه من غير أولي الإربة قوله : ( وأخرجه ) لفظ البخاري : { أخرجوهم من بيوتكم قال : فأخرج فلانا وفلانا } ورواه البيهقي وزاد " وأخرج عمر مخنثا " وفي رواية " وأخرج أبو بكر آخر "

قال العلماء : إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان : أحدها : أنه كان يظن أنه من غير أولي الإربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظن والثاني : وصفه النساء ومحاسنهن وعوراتهن بحضرة الرجال ، وقد نهي أن يصف المرأة زوجها فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم ؟ الثالث : أنه ظهر له منه أنه كان يطلع النساء وأجسامهن وعوراتهن على ما لا يطلع عليه كثير من النساء

قوله : ( فيسأل ثم يرجع ) أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البادية ، والبيداء بالمد : القفر ، وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه وفي ذلك دليل جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق ، وجواز الإذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة

التالي السابق


الخدمات العلمية