صفحة جزء
باب ما جاء في الكفاءة في النكاح 2675 - ( عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال { : جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته ، قال : فجعل الأمر إليها ، فقالت : قد أجزت ما صنع أبي ، ولكن أردت أن أعلم النساء أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء } رواه ابن ماجه ، ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة ) .

2676 - ( وعن عائشة وعن عمر قال : لأمنعن تزوج ذوات الأحساب إلا من الأكفاء رواه الدارقطني ) .

2677 - ( وعن أبي حاتم المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا : يا رسول الله وإن كان فيه ؟ قال : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه ، ثلاث مرات } رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن غريب ) .

2678 - ( وعن عائشة : { أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار } رواه البخاري والنسائي وأبو داود ) .

2679 - ( وعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت : رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال رواه الدارقطني )


حديث عبد الله بن بريدة أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح ، فإنه قال في سننه : حدثنا هناد بن السري ، حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه ، وأخرجه النسائي من طريق زياد بن أيوب وهو ثقة عن علي بن غراب ، وهو [ ص: 153 ] صدوق عن كهمس بهذا الإسناد ، ويشهد له حديث ابن عباس في الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تشهد له الأحاديث الواردة في استئمار النساء على العموم ، كذلك حديث خنساء بنت خذام ، وقد تقدم جميع ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار ، وإنما ذكر المصنف حديث بريدة ههنا لقولها فيه : " ليرفع بي خسيسته " فإن ذلك مشعر بأنه غير كفء لها

وحديث أبي حاتم المزني ذكر المصنف أن الترمذي حسنه ووافقه المناوي على نقل التحسين عن الترمذي ، ثم نقل عن البخاري أنه لم يعده محفوظا ، وعده أبو داود في المراسيل ، وأعله ابن القطان بالإرسال وضعف راويه ، وأبو حاتم المزني له صحبة ، ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا الحديث وقد أخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من حديث أبي هريرة ولفظه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض } وقال : قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ، ورواه الليث بن سعد عن أبي عجلان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال البخاري : وحديث الليث أشبه ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود : { أن أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وسلم في اليافوخ ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه } وأخرجه أيضا الحاكم وحسنه الحافظ في التلخيص

وعن علي عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : { ثلاث لا تؤخر : الصلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت لها كفؤا } وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال { : العرب أكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل ، إلا حائك أو حجام } وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن ابن جريج ، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث فقال : هذا كذب لا أصل له وقال في موضع آخر باطل ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق أخرى عنه قال الدارقطني في العلل : لا يصح ا هـ .

وفي إسناد ابن عبد البر عمران بن أبي الفضل قال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات ، وقال ابن أبي حاتم : سألت عنه أبي فقال : منكر ، وقد حدث به هشام بن عبيد الله الرازي فزاد فيه بعد : { أو حجام أو دباغ } ، قال : فاجتمع به الدباغون وهموا به وقال ابن عبد البر : هذا منكر موضوع ، وذكره في العلل المتناهية من طريقين إلى ابن عمر في إحداهما علي بن عروة ، وقد رماه ابن حبان بالوضع ; وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك ، والأولى في ابن عدي ، والثانية في الدارقطني وله طريق أخرى عن غير ابن عمر رواه البزار في مسنده من حديث معاذ بن جبل رفعه : { العرب بعضها لبعض أكفاء } وفيه سليمان بن أبي الجون قال ابن القطان : لا يعرف ، ثم هو من رواية [ ص: 154 ] خالد بن معدان عن معاذ ولم يسمع منه ، وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة : { خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا }

قوله : ( إلا من الأكفاء ) جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة : وهو المثل والنظير قوله ( من ترضون دينه وخلقه ) فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق ، وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك

ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ، ويدل عليه قوله تعالى: { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور وقال أبو حنيفة : قريش أكفاء بعضهم بعضا ، والعرب كذلك ، وليس أحد من العرب كفؤا لقريش ، كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب ، وهو وجه للشافعية قال في الفتح : والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ، ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض

وقال الثوري : إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح ، وبه قال أحمد في رواية ، وتوسط الشافعي فقال : ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأراد به النكاح ، وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء ، فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه ، فلو رضوا إلا واحدا فله فسخه قال : ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه : { العرب بعضهم أكفاء بعض ، والموالي بعضهم أكفاء بعض } فإسناده ضعيف واحتج البيهقي بحديث : { إن الله اصطفى بني كنانة من بني إسماعيل } الحديث ، وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الاحتجاج به لذلك نظر ، وقد ضم إليه بعضهم حديث : { قدموا قريشا ولا تقدموها } ونقل ابن المنذر عن البويطي أن الشافعي قال : الكفاءة في الدين ، وهو كذلك في مختصر البويطي قال الرافعي : وهو خلاف المشهور قال في الفتح : واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه ، فلا تحل المسلمة لكافر

قال الخطابي : إن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء : الدين والحرية والنسب والصناعة ومنهم من اعتبر السلامة من العيوب ، واعتبر بعضهم اليسار ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه : { إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال } وما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه : { الحسب المال ، والكرم التقوى } قال في الفتح : يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له ، فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ، أو أن من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا ، وضعة من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد ، فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال لا على الثاني ، وقد قدمنا الإشارة إلى شيء من هذا في باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها [ ص: 155 ]

قوله : ( تبنى سالما ) بفتح المثناة الفوقية والموحدة وتشديد النون : أي اتخذه ابنا ، وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه ، بل هو مولى امرأة من الأنصار كما وقع في حديث الباب وهذا الحديث فيه دليل على أن الكفاءة تغتفر برضا الأعلى لا مع عدم الرضا ، فقد خير النبي صلى الله عليه وسلم بريرة لما لم يكن زوجها كفؤا لها بعد الحرية وقد قدمنا الاختلاف في كونه عبدا أو حرا ، والراجح أنه كان عبدا كما سيأتي في باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد قال الشافعي : أصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة ، يعني هذا ، ومن جملة الأمور الموجبة لرفعة المتصف بها ، الصنائع العالية وأعلاها على الإطلاق : العلم ; لحديث : { العلماء ورثة الأنبياء } أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء ، وضعفه الدارقطني في العلل قال المنذري : وهو مضطرب الإسناد ، وقد ذكره البخاري في صحيحه بغير إسناد

، والقرآن شاهد صدق على ما ذكرنا ، فمن ذلك قوله تعالى: { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقوله تعالى: { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } وقوله تعالى: { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } وغير ذلك من الآيات والأحاديث المتكاثرة ، منها حديث : { خياركم في الجاهلية } وقد تقدم

التالي السابق


الخدمات العلمية