صفحة جزء
باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الآخر [ ص: 192 ] عن ابن عباس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا } رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ : { رد ابنته زينب على أبي العاص زوجها بنكاحها الأول بعد سنتين ولم يحدث صداقا } رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وفي لفظ : { رد ابنته زينب على أبي العاص ، وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا } رواه أحمد وأبو داود ، وكذلك الترمذي وقال فيه : لم يحدث نكاحا وقال : هذا حديث ليس بإسناده بأس ) .

2724 - ( وقد روي بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : { أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد } قال الترمذي : في إسناده مقال وقال أحمد : هذا حديث ضعيف والحديث الصحيح الذي روي أنه أقرهما على النكاح الأول وقال الدارقطني : هذا حديث لا يثبت ، والصواب حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ردها بالنكاح الأول ) .

2725 - ( وعن ابن شهاب : { أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمانا وشهد حنينا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة ، فلم يفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما حتى أسلم صفوان ، واستقرت عنده بذلك النكاح } قال ابن شهاب : وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر . مختصر من الموطأ لمالك ) .

2726 - ( وعن ابن شهاب : { أن أم حكيم ابنة الحارث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة ، وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن ، فارتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم ، وقدم [ ص: 193 ] على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك } قال ابن شهاب : ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها ، إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها ، وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها رواه عنه مالك في الموطأ )


حديث ابن عباس صححه الحاكم وقال الخطابي : هو أصح من حديث عمرو بن شعيب ، وكذا قال البخاري قال ابن كثير في الإرشاد : هو حديث جيد قوي ، وهو رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انتهى . إلا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه ، وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث ، وابن إسحاق فيه مقال معروف .

وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن ماجه ، وفي إسناده حجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس ، وأيضا لم يسمعه من عمرو بن شعيب قال أبو عبيد ، وإنما حمله عن العرزمي وهو ضعيف وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم قد تقدم ذكر بعضهم .

وحديث ابن شهاب الأول هو مرسل وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات ، وحديثه الثاني مرسل أيضا وأخرجه ابن سعد في الطبقات أيضا

وفي الباب عن ابن عباس عند البخاري قال : { كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المؤمنين ، كانوا مشركي أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ، ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر ، فإذا طهرت حل لها النكاح ، وإن جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه }

وروى البيهقي عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد مثلهم : { أن أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ، ومكة يومئذ دار حرب وكذلك حكيم بن حزام ، ثم أسلمت المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى الله عليه وسلم النكاح } قوله : ( بعد سنتين ) وفي الرواية الثانية " بست سنين " ووقع في رواية : " بعد ثلاث سنين " وأشار في الفتح إلى الجمع فقال : المراد بالست ما بين هجرة زينب وإسلامه ، وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى: { لا هن حل لهم } وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا

قال الترمذي في حديث ابن عباس : إنه لا يعرف وجهه ، قال الحافظ : وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة قال : ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر إسلامه عن إسلامها حتى انقضت عدتها ، وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر ، وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ، ورده بالإجماع المذكور وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما ، فقد أخرجه [ ص: 194 ] ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية ، وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة

وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجر به عادة في الغالب ، ولا سيما إن كان المدة إنما هي سنتان وأشهر ، فإن الحيض قد يبطئ عن ذات الأقراء لعارض وبمثل هذا أجاب البيهقي ، قال الحافظ : وهو أولى ما يعتمد في ذلك . وقال السهيلي في شرح السيرة : إن حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل ، وإن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء ; لأن الإسلام قد كان فرق بينهما ، قال الله تعالى : { لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } ومن جمع بين الحديثين قال : معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى . وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر . وقيل : إن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرق بينهما صلى الله عليه وسلم ، إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر ، فلما نزل قوله تعالى: { لا هن حل لهم } الآية ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تعتد ، فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة ، فقررها النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول ، فيندفع الإشكال . قال ابن عبد البر : وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول .

وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد ، والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل ، ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري . قال الحافظ : وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص ، ولا مانع من ذلك .

وأغرب ابن حزم فقال : إن قوله : " ردها إليه بعد كذا " مراده : جمع بينهما ، وإلا فإسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك ، هكذا زعم . قال الحافظ : وهو مخالف لما أطبق عليه أهل المغازي أن إسلامه كان بعد نزول آية التحريم .

وقال ابن القيم في الهدي ما محصله : إن اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الأحاديث ، ولا كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أو لا ، ولو كان الإسلام بمجرده فرقة لكانت طلقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم ، وقد دل حكمه صلى الله عليه وسلم أن النكاح موقوف ، فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته ، وإن انقضت عدتها فلها أن تنكح من شاءت ، وإن أحبت انتظرته ، وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح ، قال : ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه ألبتة ، بل كان الواقع أحد الأمرين : إما افتراقهما ونكاحها غيره ، وإما بقاؤهما على النكاح الأول إذا أسلم الزوج ، وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة ، فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده ، وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة .

قال : وهذا [ ص: 195 ] اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم . قال ابن حزم وهو قول عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وابن عباس ، ثم عد آخرين . وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ، ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر ، وإليه جنح البخاري ، وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع إن كانا معا في دار الإسلام .

وقد روي عن أحمد أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام من غير توقف على مضي العدة كسائر أسباب الفرقة من رضاع أو خلع أو طلاق . وقال في البحر مسألة : إذا أسلم أحدهما دون الآخر انفسخ النكاح إجماعا ، ثم قال بعد ذلك : مسألة : المذهب والشافعي ومالك وأبو يوسف : والفرقة بإسلام أحدهما فسخ لا طلاق ، إذ العلة : اختلاف الدين ، كالردة . وقال أبو العباس وأبو حنيفة ومحمد : بل طلاق ، حيث أسلمت وأبى الزوج ، إذ امتناعه كالطلاق . قلنا : بل كالردة ا هـ . قوله : ( وكان إسلامها . . . إلخ ) المراد بإسلامها هنا : هجرتها ، وإلا فهي لم تزل مسلمة منذ بعثه الله تعالى كسائر بناته صلى الله عليه وسلم ، وكانت هجرتها بعد بدر بقليل وبدر في رمضان السنة الثانية ، وتحريم المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ست في ذي القعدة فيكون مكثها بعد ذلك نحوا من سنتين ، هكذا قيل ، وفيه بعض مخالفة لما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية