صفحة جزء
كتاب الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن باب استحباب الوليمة بالشاة فأكثر وجوازها بدونها [ ص: 208 ] { قال صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن : أولم ولو بشاة } ) .

2745 - ( وعن أنس قال : { ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب ، أولم بشاة } . متفق عليه ) .

2746 - ( وعن أنس : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بتمر وسويق } . رواه الخمسة إلا النسائي ) .

2747 - ( وعن صفية بنت شيبة أنها قالت : { أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير } . أخرجه البخاري هكذا مرسلا ) .

2748 - ( وعن أنس في قصة صفية : { أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل وليمتها التمر والأقط والسمن } . رواه أحمد ومسلم .

وفي رواية : { أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية ، فدعوت المسلمين إلى وليمته ما كان فيها من خبز ولا لحم ، وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع فبسطت فألقي عليها التمر والأقط والسمن . فقال المسلمون : إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه ؟ فقالوا : إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين ، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب } . متفق عليه ) .


حديث : { أولم ولو بشاة } قد تقدم في أول كتاب الصداق . وحديث أنس الثاني أخرجه أيضا ابن حبان .

قوله : ( أولم ) قال الأزهري : الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع [ ص: 209 ] لأن الزوجين يجتمعان . وقال ابن الأعرابي : أصلها تمام الشيء واجتماعه ، وتقع على كل طعام يتخذ لسرور . وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد وفي غيرها مع التقييد ، فيقال مثلا وليمة مأدبة ، هكذا قال بعض الفقهاء ، وحكاه في الفتح عن الشافعي وأصحابه . وحكى ابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب ، وبه جزم الجوهري وابن الأثير ، أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة .

قال ابن رسلان : وقول أهل اللغة أقوى لأنهم أهل اللسان وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب ، انتهى . ويمكن أن يقال : الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط ، وفي الشرع للولائم المشروعة . وقال في القاموس : الوليمة طعام العرس أو كل طعام صنع لدعوة وغيرها ، وأولم : صنعها . وقال صاحب المحكم : الوليمة : طعام العرس والإملاك ، وسيأتي تفسير الولائم ، وظاهر الأمر الوجوب .

وقد روى القول به القرطبي عن مذهب مالك ، وقال : مشهور المذهب أنها مندوبة . وروى ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب أحمد ، لكن الذي في المغني أنها سنة ، وكذلك حكي في البحر الوجوب عن أحد قولي الشافعي .

وحكاه ابن حزم عن أهل الظاهر . وقال سليم الرازي : إنه ظاهر نص الأم ، ونقله أبو إسحاق الشيرازي عن النص ، وحكاه في الفتح أيضا عن بعض الشافعية ; وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب لا كما قال ابن بطال ، ولا أعلم أحدا أوجبها . وكذا قال صاحب المغني . ومن جملة ما استدل به من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه : { الوليمة حق } وفي مسلم { شر الطعام طعام الوليمة } ، ثم قال : وهو حق وفي رواية لأبي الشيخ والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رفعه { الوليمة حق وسنة ، فمن دعي إليها فلم يجب فقد عصى } وأخرج أحمد من حديث بريدة قال : { لما خطب علي فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه لا بد للعروس من وليمة } . قال الحافظ : وسنده لا بأس به . قال ابن بطال قوله : " حق " أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة ، وليس المراد بالحق : الوجوب . وأيضا هو طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة ، والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة اتفاقا . قال في الفتح : وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه ، أو عند الدخول أو عقبه ، أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول ؟ على أقوال ، قال النووي : اختلفوا فحكى القاضي عياض أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول ، وعن جماعة منهم عند العقد .

وعن ابن جندب عند العقد وبعد الدخول ، قال السبكي : والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنها بعد الدخول ، انتهى .

وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنها بعد الدخول لقوله : { أصبح عروسا بزينب فدعا القوم } . قوله : ( ولو بشاة ) لو هذه ليست الامتناعية ، وإنما هي [ ص: 210 ] للتقليل .

وفي الحديث دليل على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة عن الموسر ، ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وسلم أولم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة مطلقا ، ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد وفي تناوله لغيره خلاف في الأصول معروف . قال القاضي عياض : وأجمعوا على أنه لا حد لأكثر ما يولم به ، وأما أقله فكذلك ، ومهما تيسر أجزأ ، والمستحب أنها على قدر حال الزوج . قوله : ( ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من نسائه . . . . . . إلخ ) هذا محمول على ما انتهى إليه علم أنس أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع المسلمين خبزا ولحما من الشاة الواحدة وإلا فالذي يظهر أنه أولم على ميمونة بنت الحارث التي تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحال ; لأن ذلك كان بعد فتح خيبر .

وقد وسع الله على المسلمين في فتحها عليهم هكذا في الفتح ، وما ادعاه من الظهور ممنوع لأن كونه دعا أهل مكة لا يستلزم أن تكون الوليمة بشاة أو بأكثر منها ، بل غايته أن يكون فيها طعام كثير يكفي من دعاهم ، مع أنه يمكن أن يكون في تلك الحال الطعام الذي دعاهم إليه قليلا ولكنه يكفي الجميع بتبريكه صلى الله عليه وسلم عليه ، فلا تدل كثرة المدعوين على كثرة الطعام ، ولا سيما وهو في تلك الحال مسافر ، فإن السفر مظنة لعدم التوسعة في الوليمة الواقعة فيه ، فيعارض هذا مظنة التوسعة لكون الوليمة واقعة بعد فتح خيبر . قال ابن بطال : لم يقع من النبي صلى الله عليه وسلم القصد إلى تفضيل بعض النساء على بعض ، بل باعتبار ما اتفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها لأنه كان أجود الناس ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق . وقال غيره : يجوز أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز . وقال الكرماني : لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان الشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه إياها بالوحي . وقال ابن المنير : يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضه دون بعض في الإتحاف والإلطاف .

قوله : ( وعن صفية بنت شيبة ) صفية هذه ليست بصحابية ، وحديثها مرسل ، وقد رواه البعض عنها عن عائشة ، ورجح النسائي قول من لم يقل : عن عائشة ، ولكنه قد روى البخاري عنها في كتاب الحج أنها قالت : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقد ضعف ذلك المزي بأنه مروي من طريق أبان بن صالح ، وكذلك صرح بتضعيفه ابن عبد البر في التمهيد . ويجاب بأنه قد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم حتى قال الذهبي في مختصر التهذيب : ما رأيت أحدا ضعف أبان بن صالح . وبما يدل على ثبوت صحبتها ما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديثها قالت : { طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا أنظر إليه } .

قال المزي : هذا يضعف [ ص: 211 ] قول من أنكر أن يكون لها رؤية ، فإن إسناده حسن فيحتمل أن يكون مراد من أطلق أنه مرسل ، يعني من مراسيل الصحابة لأنها ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد والتزوج كان بالمدينة . قوله : ( على بعض نسائه ) قال الحافظ : لم أقف على تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به : أم سلمة . فقد أخرج ابن سعد عن شيخه الواقدي بسنده إلى { أم سلمة قالت : لما خطبني النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر قصة تزويجه ، قالت : فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئا من إهالة فأدمته ، فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم } وأخرج ابن سعد أيضا بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث أن أم سلمة أخبرته فذكرت قصة خطبتها وتزويجها وقصة الشعير . قوله : ( يبني بصفية ) أصله يبني خباء جديدا مع صفية أو بسببها ثم استعمل البناء في الدخول بالزوجة ، يقال : بنى الرجل بالمرأة : أي دخل بها .

وفيه دليل على أنها تؤثر المرأة الجديدة ولو في السفر .

قوله : ( التمر والأقط والسمن ) هذه الأمور الثلاثة إذا خلط بعضها ببعض سميت حيسا . قوله : ( بالأنطاع ) جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء وإسكانها أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء . والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد يسكن بعدها طاء مهملة ، وقد تقدم تفسيره في الفطرة . وهذه القصة دليل على اختصاص الحجاب بالحرائر من زوجاته صلى الله عليه وسلم ، لجعل الصحابة رضي الله عنهم الحجاب أمارة كونها حرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية