صفحة جزء
باب من دعي فرأى منكرا فلينكره وإلا فليرجع 2758 - ( قد سبق قوله : { من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه } ) .

2759 - ( وعن { علي رضي الله عنه قال : صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع } . رواه ابن ماجه ) .

2760 - ( وعن ابن عمر قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين : عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر ، وأن يأكل وهو منبطح } . رواه أبو داود ) .

2761 - ( وعن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار ، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل [ ص: 218 ] الحمام } رواه أحمد ، ورواه الترمذي بمعناه من رواية جابر ، وقال : حديث حسن غريب .

قال أحمد : وقد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأى البيت قد ستر ودعا حذيفة فخرج ، وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم . قال البخاري : ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع ) .


الحديث الأول الذي أشار المصنف إليه قد سبق في باب خطبة العيد وأحكامها من كتاب العيدين . وحديث علي أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح ، وسياقه هكذا : حدثنا أبو كريب قال : حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي فذكره . وتشهد له أحاديث قد تقدمت في باب حكم ما فيه صورة من الثياب من كتاب اللباس . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا النسائي والحاكم ، وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه . وقد أعل الحديث بذلك أبو داود والنسائي وأبو حاتم : ولكنه قد روى أحمد والنسائي والترمذي والحاكم عن جابر مرفوعا : { من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر } وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر . وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف ، وقد حسنه الترمذي ، وقال الحافظ : إسناده جيد . وأما الطريق الأخرى التي انفرد بها الترمذي فإسنادها ضعيف . وأخرج نحوه البزار من حديث أبي سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين . وحديث عمر إسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص .

وأثر أبي أيوب رواه البخاري في صحيحه معلقا بلفظ : ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا فقال : غلبنا عليه النساء ، فقال : من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك ، والله لا أطعم لكم طعاما فرجع " وقد وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده والطبراني .

وأثر ابن مسعود قال الحافظ : كذا في رواية المستملي والأصيلي والقابسي .

وفي رواية الباقين أبو مسعود ، والأول تصحيف فيما أظن فإني لم أر الأثر المعلق إلا عن أبي مسعود عقبة بن عمر . وأخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود وسنده صحيح ، وخالد بن سعد هو مولى أبي مسعود الأنصاري ، ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية . ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أيضا لكن لم أقف عليه .

وأخرج أحمد في كتاب الزهد من طريق عبد الله بن عتبة قال : " دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور ، فقال ابن عمر : يا فلان متى تحولت الكعبة في بيتك ، فقال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم : ليهتك كل رجل ما يليه " . [ ص: 219 ] وأحاديث الباب وآثاره فيها دليل على أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله لما في ذلك من إظهار الرضا بها .

قال في الفتح : وحاصله إن كان هناك محرم وقدر على إزالته فأزاله فلا بأس ، وإن لم يقدر فليرجع ، وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفي الورع . وقال : وقد فصل العلماء في ذلك ، فإن كان هناك لهو مما اختلف فيه فيجوز الحضور ، والأولى الترك ، وإن كان هناك حرام كشرب الخمر نظر ، فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لأجله فليحضر ، وإن لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان : أحدهما : يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر .

قال البيهقي : وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه . وقال صاحب الهداية من الحنفية : لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يكن يقتدى به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية . وحكي عن أبي حنيفة أنه قعد ، وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به . قال : هذا كله بعد الحضور ، فإن علم قبله لم يلزمه الإجابة . والوجه الثاني للشافعية : تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر ، وصححه المروزي فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم ، فإن لم ينتهوا فليخرج إلا إن خاف على نفسه من ذلك . وعلى ذلك جرى الحنابلة ، وكذا اعتبر المالكية في وجوب الإجابة أن لا يكون هناك منكر ، وكذلك الهادوية .

وحكى ابن بطال وغيره عن مالك أن الرجل إذا كان من أهل الهيبة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا ، ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إجابة طعام الفاسقين } أخرجه الطبراني في الأوسط . قوله : ( فلا يدخل الحمام . . . إلخ ) قد تقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في دخول الحمام من كتاب الغسل . قوله : ( فرأى البيت قد ستر ) اختلف العلماء في حكم ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة . وصرح الشيخ نصر الدين المقدسي منهم بالتحريم .

واحتج بحديث عائشة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين ، وجذب الستر حتى هتكه } قال البيهقي : هذه اللفظة تدل على كراهة ستر الجدر ، وإن كان في بعض ألفاظ الحديث أن المنع كان بسبب الصورة . وقال غيره : ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ، ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي ، لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وسلم في هتكه . وقد جاء النهي عن ستر الجدر صريحا منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره : { لا تستروا الجدر بالثياب } وفي إسناده ضعف ، وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين ، أخرجه ابن وهب ، ثم البيهقي من طريقه . وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت . وقال : " أمحموم بيتكم وتحولت الكعبة عندكم ؟ ثم [ ص: 220 ] قال : لا أدخله حتى يهتك " وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى ، وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه : { كيف بكم إذا سترتم بيوتكم } الحديث وأصله في النسائي .

التالي السابق


الخدمات العلمية