صفحة جزء
باب ما جاء في العزل 2787 - ( عن جابر قال : { كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل } . متفق عليه . ولمسلم : { كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا } ) .

2788 - ( وعن جابر : { أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا أطوف عليها وأكره أن تحمل ، فقال : اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها } رواه أحمد ومسلم وأبو داود ) . [ ص: 233 ]

2789 - ( وعن أبي سعيد قال : { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب ، فاشتهينا النساء واشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل ، فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة } متفق عليه ) .

2790 - ( وعن أبي سعيد قال : { قالت اليهود : العزل الموءودة الصغرى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كذبت يهود ، إن الله عز وجل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه } رواه أحمد وأبو داود ) .

2791 - ( وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { في العزل : أنت تخلقه ، أنت ترزقه ، أقره قراره فإنما ذلك القدر } رواه أحمد ) .

2792 - ( وعن أسامة بن زيد : { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني ، أعزل عن امرأتي ، فقال له صلى الله عليه وسلم : لم تفعل ذلك ؟ فقال له الرجل : أشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كان ضارا ضر فارس والروم } رواه أحمد ومسلم ) .

2793 - ( وعن جذامة بنت وهب الأسدية قالت : { حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس وهو يقول : لقد هممت أن أنهى عن الغيلة ، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ، فلا يضر أولادهم شيئا ، ثم سألوه عن العزل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك الوأد الخفي { وإذا الموءودة سئلت } } رواه أحمد ومسلم ) .

2794 - ( وعن عمر بن الخطاب قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها } . رواه أحمد وابن ماجه وليس إسناده بذلك ) .


حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضا الترمذي والنسائي . قال الحافظ : ورجاله ثقات . [ ص: 234 ] وقال في مجمع الزوائد : رواه البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة وقد ضعف ، وبقية رجاله ثقات . وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وأبي هريرة ، وجزم الطحاوي بكونه منسوخا وعكسه ابن حزم . وحديث عمر بن الخطاب في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ، ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال : { نهي عن عزل الحرة إلا بإذنها } وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته ، وروى البيهقي عن ابن عمر مثله .

ومن أحاديث هذا الباب عن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وصححه { أن رجلا سأل عن العزل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا } وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود .

قوله : ( كنا نعزل ) العزل : النزع بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج . قوله : ( والقرآن ينزل ) فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام ; لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقررا عليه ، ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وسلم . وقد ذهب الأكثر من أهل الأصول على ما حكاه في الفتح إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان له حكم الرفع ، قال : لأن الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع على ذلك وأقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم إياه عن الأحكام ، قال : وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك . وأخرج مسلم من حديث جابر قال : { كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا } . ووقع في حديث الباب المذكور الإذن له بالعزل ، فقال : { اعزل عنها إن شئت } . قوله : ( ما عليكم أن لا تفعلوا ) وقع في رواية في البخاري وغيره : " لا عليكم أن لا تفعلوا " قال ابن سيرين : هذا أقرب إلى النهي .

وحكى ابن عون عن الحسن أنه قال : والله لكان هذا زجرا . قال القرطبي : كأن هؤلاء فهموا من لا ، النهي عما سألوا عنه ، فكأنه قال : لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا ويكون قوله : " وعليكم " إلى آخره تأكيدا للنهي . وتعقب بأن الأصل عدم التقرير ، وإنما معناه : ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي أن لا تفعلوا . وقال غيره : معنى لا عليكم أن لا تفعلوا : أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل ، فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل ، ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال : لا عليكم أن تفعلوا إلا أن يدعى أن لا زائدة ، فيقال : الأصل عدم ذلك .

وقد اختلف السلف في حكم العزل ، فحكي في الفتح عن ابن عبد البر أنه قال : لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها ; لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل . قال الحافظ : ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة . قال : وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لا حق للمرأة [ ص: 235 ] في الجماع ، وهو أيضا مذهب الهادوية فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير إذنها على مقتضى قولهم : إنه لا حق لها في الوطء ، ولكنه وقع التصريح في كتب الهادوية بأنه لا يجوز العزل عن الحرة إلا برضاها ، ويدل على اعتبار الإذن من الحرة حديث عمرو المذكور ولكن فيه ما سلف .

وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة . واختلفوا : هل يعتبر الإذن منها أو من سيدها وإن كانت سرية فقال في الفتح : يجوز بلا خلاف عندهم إلا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم ، وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيها مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش . وقيل : حكمها حكم الأمة المزوجة . قوله : ( كذبت يهود ) فيه دليل على جواز العزل ، ومثله ما أخرجه الترمذي وصححه عن جابر قال : { كانت لنا جوار وكنا نعزل ، فقالت اليهود : إن تلك الموءودة الصغرى ، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم يستطع رده } وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة المذكور من تصريحه صلى الله عليه وسلم بأن ذلك الوأد الخفي .

فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله ، فحمل هذا على التنزيه ، وهذه طريقة البيهقي . ومنهم من ضعف حديث جذامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا . قال الحافظ : وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم ، والحديث صحيح لا ريب فيه ، والجمع ممكن . ومنهم من ادعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ . وقال الطحاوي : يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ، ثم أعلمه الله بالحكم ، فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه . ومنهم من رجح حديث جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالاختلاف في إسناده والاضطراب . قال الحافظ : ورد بأنه إنما يقدح في حديث ، لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن . ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع . قال : فمن ادعى أنه أبيح بعد أن منع فعليه البيان . وتعقب بأن حديثها ليس بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما .

وجمع ابن القيم فقال : الذي كذب فيه صلى الله عليه وسلم اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فأكذبهم ، وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه ، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة ، وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد ، لكن الفرق بينهما أن الوأد . ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل ، والعزل يتعلق بالقصد فقط ، فلذلك وصفه بكونه [ ص: 236 ] خفيا وهذا الجمع قوي ، وقد ضعف أيضا حديث جذامة ، أعني الزيادة التي في آخره بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود ، ورواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكراها ، وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب ، وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع ، وقد احتج بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل كابن حبان . قوله : ( أشفق على ولدها ) هذا أحد الأمور التي تحمل على العزل . ومنها الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل . ومنها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا ، وكل ذلك لا يغني شيئا لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار .

قوله : ( أن أنهى عن الغيلة ) بكسر الغين المعجمة بعدها تحتية ساكنة ، ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء ، والغيال بكسر الغين المعجمة ; والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع . وقال ابن السكيت : هي أن ترضع المرأة وهي حامل وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه ، فكان ذلك سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي ، ولكنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الغيلة لا تضر فارس والروم ترك النهي عنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية