صفحة جزء
باب القسم للبكر والثيب الجديدتين 2828 - ( عن أم سلمة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال : إنه ليس بك هوان على أهلك ، فإن شئت سبعت لك ، وإن سبعت لك سبعت لنسائي } رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه . ورواه الدارقطني ولفظه : { إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها حين دخل بها : ليس بك على أهلك هوان ، إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك ، وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي ، قالت : تقيم معي ثلاثا خالصة } ) .

2829 - ( وعن أبي قلابة عن { أنس قال : من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم } ، قال أبو قلابة : ولو شئت لقلت : إن أنسا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجاه ) .

2830 - ( وعن أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم { يقول : للبكر سبعة أيام ، وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه } رواه الدارقطني ) .

[ ص: 255 ] وعن أنس قال : { لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا } . رواه أحمد وأبو داود ) .


لفظ الدارقطني في حديث أم سلمة في إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا ، وحديث أنس الآخر في الإقامة عند صفية أخرجه أيضا النسائي ، ورجال أبي داود رجال الصحيح قوله : ( سبعت لك ) في رواية لمسلم " وإن شئت ثلثت ثم درت ، قالت : ثلث " وفي رواية للحاكم أنها أخذت بثوبه مانعة له من الخروج من بيتها ، فقال لها : " إن شئت " الحديث .

وفي حديث أم سلمة دليل على أن الزوج إذا تعدى السبع للبكر والثلاث للثيب بطل الإيثار ، ووجب قضاء سائر الزوجات مثل تلك المدة بالنص في الثيب والقياس في البكر ، ولكن إذا وقع من الزوج تعدي تلك المدة بإذن الزوجة ، ومعنى قوله : " ليس بك على أهلك هوان " أنه لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك .

قال القاضي عياض : المراد بأهلك هنا النبي صلى الله عليه وسلم نفسه : أي إني لا أفعل فعلا به هوانك . قوله : " قال أبو قلابة . . . إلخ " قال ابن دقيق العيد : قول أبي قلابة يحتمل وجهين : أحدهما : أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا . والثاني : أن يكون رأى أن قول أنس : من السنة ، في حكم المرفوع ، فلو عبر عنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع . قال : والأول أقرب ; لأن قوله : " من السنة " يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل . وقوله أنه رفعه نص في رفعه ، وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه ، وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله : من السنة كذا ، وبين رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس وقالوا فيه : قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في البيهقي ومستخرج الإسماعيلي وصحيح أبي عوانة وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والدارمي والدارقطني . وأحاديث الباب تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب بثلاث . قيل : وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة . وقال ابن عبد البر حاكيا عن جمهور العلماء : إن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف ، وسواء كان عنده زوجة أم لا .

وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب . قال في الفتح : وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب . واختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده . ويمكن التمسك لقول من اشترط أن يكون عنده زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس المذكور : " وإذا تزوج البكر على الثيب " . ويمكن الاستدلال لمن لم يشترط بقوله في حديث أنس أيضا : { للبكر سبع وللثيب ثلاث } . قال الحافظ : لكن [ ص: 256 ] القاعدة أن المطلق محمول على المقيد ، قال : وفيه - يعني حديث أنس المذكور - حجة على الكوفيين في قولهم : إن البكر والثيب سواء في الثلاث ، وعلى الأوزاعي في قوله : للبكر ثلاث وللثيب يومان .

وفيه حديث مرفوع عن عائشة ، أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا انتهى . وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والحكم وحماد أنها تؤثر البكر والثيب بذلك المقدار تقديما ويقضي البواقي مثله . وحكي في البحر أيضا عن الحسن البصري وابن المسيب أنها تؤثر البكر بليلتين والثيب بليلة . قال في الفتح : تنبيه : يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن الصلاة وسائر أعمال البر . قال : وعن ابن دقيق العيد أنه قال : أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع . وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام عندها وهو قول الشافعية . ورواه ابن قاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه للشافعية ، فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان فيقدم حق الآدمي فليس بشنيع وإن كان مرجوحا انتهى .

ولا يخفى أن مثل هذا لا يرد به على تشنيع ابن دقيق العيد لأنه شنع على القائل كائنا من كان ، وهو قول شنيع كما ذكر فكيف يجاب عنه بأن هذا قد قال به فلان وفلان اللهم إلا أن يكون ابن دقيق العيد موافقا في وجوب المقام بلا استثناء .

التالي السابق


الخدمات العلمية