صفحة جزء
باب ما جاء في فضل طهور المرأة [ ص: 41 ]

9 - ( عن الحكم بن عمرو الغفاري { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة } . رواه الخمسة إلا أن ابن ماجه والنسائي قالا : وضوء المرأة .

وقال الترمذي هذا حديث حسن ، وقال ابن ماجه ، وقد روى بعده حديثا آخر : الصحيح الأول ، يعني حديث الحكم ) .


الحديث صححه ابن حبان أيضا ، وقال البيهقي في سننه الكبرى : قال البخاري : حديث الحكم ليس بصحيح . وقال النووي : اتفق الحفاظ على تضعيفه قال ابن حجر في الفتح وقد أغرب النووي بذلك ، وله شاهد عند أبي داود والنسائي من حديث رجل صحب النبي صلى الله عليه وسلم قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل المرأة بفضل الرجل أو الرجل بفضل المرأة وليغترفا جميعا } قال الحافظ في الفتح : رجاله ثقات ولم أقف لمن أعله على حجة قوية ، ودعوى البيهقي أنه في معنى المرسل مردودة لأن إبهام الصحابي لا يضر وقد صرح التابعي بأنه لقيه . ودعوى ابن حزم أن داود الذي رواه عن حميد بن عبد الرحمن الحميري - هو ابن يزيد الأودي - وهو ضعيف مردودة ، فإنه ابن عبد الله الأودي وهو ثقة ، وقد صرح باسم أبيه أبو داود وغيره ، وصرح الحافظ أيضا في بلوغ المرام بأن إسناده صحيح .

والحديث يدل على أنه لا يجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة ، وقد ذهب إلى ذلك عبد الله بن سرجس الصحابي ونسبه ابن حزم إلى الحكم بن عمرو راوي الحديث وجويرية أم المؤمنين وأم سلمة وعمر بن الخطاب ، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن البصري ، وهو أيضا قول أحمد وإسحاق لكن قيداه بما إذا خلت به .

وروي عن ابن عمر والشعبي والأوزاعي المنع لكن مقيدا بما إذا كانت المرأة حائضا . ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل وضوء المرأة وفي جوازه مضطربة ، لكن قال : صح عن عدة من الصحابة المنع فيما إذا خلت به ، وعورض بأن الجواز أيضا نقل عن عدة من الصحابة منهم : ابن عباس ، واستدلوا بما سيأتي من الأدلة .

وقد جمع بين الأحاديث بحمل أحاديث النهي على ما تساقط من الأعضاء لكونه قد صار مستعملا ، والجواز على ما بقي من الماء ، وبذلك جمع الخطابي وأحسن منه ما جمع به الحافظ في [ ص: 42 ] الفتح من حمل النهي على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز الآتية .

10 - ( وعن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة } ، رواه أحمد ومسلم ) .

11 - ( وعن ابن عباس عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { توضأ بفضل غسلها من الجنابة } . رواه أحمد وابن ماجه ) .

12 - ( وعن ابن عباس قال : { اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليتوضأ منها أو يغتسل ، فقالت له : يا رسول الله إني كنت جنبا ، فقال : إن الماء لا يجنب } . رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي ، وقال حديث حسن صحيح ) . حديثه الأول مع كونه في صحيح مسلم قد أعله قوم بتردد وقع في رواية عمرو بن دينار حيث قال : وعلمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني فذكر الحديث .

وقد ورد من طريق أخرى بلا تردد . وأعل أيضا بعدم ضبط الراوي ومخالفته والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ : { إن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد } وحديثه الآخر أخرجه أيضا الدارقطني وصححه ابن خزيمة وغيره ، كذا قال الحافظ في الفتح . وقال الدارقطني قد أعله قوم بسماك بن حرب راويه عن عكرمة ; لأنه كان يقبل التلقين ، لكن قد رواه شعبة وهو لا يحمل عن مشايخه إلا صحيح حديثهم . قوله : ( لا يجنب ) في نسخة بفتح الياء التحتية وفي أخرى بضمها ، فالأولى من جنب بضم النون وفتحها ، والثانية من أجنب .

قال في القاموس : وقد أجنب وجنب وجنب واستجنب وهو جنب يستوي للواحد والجمع ا هـ . وظاهر حديثي ابن عباس وميمونة معارض لحديث الحكم السابق ، وحديث الرجل الذي من الصحابة فيتعين الجمع بما سلف . لا يقال : إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله الخاص بالأمة ; لأنا نقول : إن تعليله الجواز بأن الماء لا يجنب مشعر بعدم اختصاص ذلك به .

وأيضا النهي غير مختص بالأمة ; لأن صيغة الرجل تشمله صلى الله عليه وسلم بطريق الظهور ، وقد تقرر دخول المخاطب في خطاب نفسه ، نعم ، لو لم يرد ذلك التعليل كان فعله صلى الله عليه وسلم مخصصا له من عموم الحديثين السابقين . وقد نقل النووي الاتفاق [ ص: 43 ] على جواز وضوء المرأة بفضل الرجل دون العكس ، وتعقبه الحافظ بأن الطحاوي قد أثبت فيه الخلاف . قال المصنف - رحمه الله تعالى - : قلت : وأكثر أهل العلم على الرخصة للرجل من فضل طهور المرأة والإخبار بذلك أصح ، وكرهه أحمد وإسحاق إذا خلت به ، وهو قول عبد الله بن سرجس ، وحملوا حديث ميمونة على أنها لم تخل به جمعا بينه وبين حديث الحكم .

فأما غسل الرجل والمرأة ووضوءهما جميعا فلا اختلاف فيه . قالت أم سلمة : { كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد من الجنابة } متفق عليه .

وعن { عائشة قالت : كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد تختلف أيدينا فيه من الجنابة } متفق عليه .

وفي لفظ للبخاري : { من إناء واحد نغترف منه جميعا } . ولمسلم : { من إناء بيني وبينه واحد فيبادرني حتى أقول : دع لي ، دع لي } .

وفي لفظ النسائي { من إناء واحد يبادرني وأبادره حتى يقول : دعي لي وأنا أقول : دع لي } ا هـ .

وقد وافق المصنف في نقل الاتفاق على جواز اغتسال الرجل والمرأة من الإناء الواحد جميعا الطحاوي والقرطبي والنووي ، وفيه نظر لما حكاه أبو المنذر عن أبي هريرة أنه كان ينهى عنه ، وحكاه ابن عبد البر عن قوم . ومن جملة ما يدل على جواز الاغتسال والوضوء للرجل والمرأة من الإناء الواحد جميعا ما أخرج أبو داود من حديث أم صبية الجهنية قالت { اختلفت يدي ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الوضوء من إناء واحد } ومن حديث ابن عمر قال : { كان الرجال والنساء يتوضئون في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال مسدد : من الإناء الواحد جميعا قال في الفتح : ظاهره أنهم كانوا يتناولون الماء في حالة واحدة .

وحكى ابن التين عن قوم أن معناه أن الرجال والنساء كانوا يتوضئون جميعا في موضع واحد هؤلاء على حدة وهؤلاء على حدة ، والزيادة المتقدمة في قوله : من إناء واحد ، ترد عليه . وكأن هذا القائل استبعد اجتماع الرجال والنساء الأجانب . وقد أجاب ابن التين عنه بما حكاه سحنون أن معناه كان الرجال يتوضئون ويذهبون ، ثم يأتي النساء وهو خلاف الظاهر ; لأن قوله : جميعا ، معناه ضد المفترق كما قال أهل اللغة . وقد وقع مصرحا بوجود الإناء في صحيح ابن خزيمة في هذا الحديث من طريق معتمر عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أنه { أبصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يتطهرون ، والنساء معهم من إناء واحد كلهم يتطهرون منه } والأولى في الجواب أن يقال : لا مانع من الاجتماع قبل نزول الحجاب ، وأما بعده فيختص بالمحارم والزوجات .

التالي السابق


الخدمات العلمية