صفحة جزء
542 - ( وعن عقبة بن عامر قال : { أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه ، ثم صلى فيه ، ثم انصرف فنزعه نزعا عنيفا شديدا كالكاره له ، ثم قال لا ينبغي هذا للمتقين . } متفق عليه ) .


قوله : ( فروج ) بفتح الفاء وتشديد الراء المضمومة وآخره جيم هو القبا المفرج من خلف ، وحكى أبو زكريا التبريزي عن أبي العلاء المصري جواز ضم أوله وتخفيف الراء قال الحافظ في الفتح : والذي أهداه هو أكيدر دومة كما صرح بذلك البخاري في اللباس . والحديث استدل به من قال بتحريم الصلاة في الحرير وهو الهادي في أحد قوليه والناصر والمنصور بالله والشافعي . وقال الهادي في أحد قوليه وأبو العباس والمؤيد بالله والإمام يحيى وأكثر الفقهاء : إنها مكروهة فقط ، مستدلين بأن علة التحريم الخيلاء ولا خيلاء في الصلاة ، وهذا تخصيص للنص بحيال علة الخيلاء ، وهو مما لا ينبغي الالتفات إليه .

وقد [ ص: 95 ] استدلوا لجواز الصلاة في ثياب الحرير بعدم إعادته صلى الله عليه وسلم لتلك الصلاة وهو مردود لأن ترك إعادتها لكونها وقعت قبل التحريم ، ويدل على ذلك حديث جابر عند مسلم بلفظ : { صلى في قبا ديباج ثم نزعه وقال : نهاني جبريل عليه السلام } وسيأتي ، وهذا ظاهر . في أن صلاته فيه كانت قبل تحريمه . قال المصنف : وهذا يعني حديث الباب محمول على أنه لبسه قبل تحريمه إذ لا يجوز أن يظن به أنه لبسه بعد التحريم في صلاة ولا غيرها .

ويدل على إباحته في أول الأمر ما روى أنس بن مالك { أن أكيدر دومة أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم جبة سندس أو ديباج قبل أن ينهى عن الحرير فلبسها فتعجب الناس منها فقال : والذي نفسي بيده لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن منها } رواه أحمد انتهى . قال في البحر : فإن لم يوجد غيره صحت فيه وفاقا بينهم فإن صلى عاريا بطلت صلاته . وقال أحمد بن حنبل : يصلي عاريا كالنجس . وقد اختلفوا هل تجزي الصلاة في الحرير بعد تحريمه أم لا ؟ فقال الحافظ في الفتح : إنها تجزئ عند الجمهور مع التحريم ، وعن مالك يعيد في الوقت انتهى . وسيأتي البحث عن لبس الحرير وحكمه قريبا .

543 - ( وعن جابر بن عبد الله قال : { لبس النبي صلى الله عليه وسلم قباء له من ديباج أهدي إليه ، ثم أوشك أن نزعه وأرسل به إلى عمر بن الخطاب فقيل : قد أوشكت ما نزعته يا رسول الله ، قال : نهاني عنه جبريل فجاءه عمر يبكي ، فقال : يا رسول الله كرهت أمرا وأعطيتنيه فما لي ؟ فقال : ما أعطيتك لتلبسه إنما أعطيتك تبيعه فباعه بألفي درهم } رواه أحمد ) . الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بنحو مما هنا .

قوله : ( من ديباج ) الديباج هو نوع من الحرير ، قيل : هو ما غلظ منه .

قوله : ( ثم أوشك ) أي أسرع كما في القاموس وغيره . والحديث يدل على تحريم لبس الحرير ، ولبس النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون دليلا على الحل لأنه محمول على أنه لبسه قبل التحريم بدليل قوله : " نهاني عنه جبريل " ولهذا حصر الغرض من الإعطاء في البيع وسيأتي تحقيق ما هو الحق في ذلك . قال المصنف رحمه الله: فيه يعني الحديث دليل على أن أمته عليه الصلاة والسلام أسوته في الأحكام ا هـ .

وقد تقرر في الأصول ما هو الحق في ذلك والأدلة العامة قاضية بمثل ما ذكره المصنف من نحو قوله تعالى: { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } .

التالي السابق


الخدمات العلمية