صفحة جزء
باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك 2869 - ( عن عائشة قالت : { خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئا } . رواه الجماعة .

وفي رواية قالت : { لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي ، فقال : إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك ، قالت : وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه ، قالت : ثم قال : إن الله عز وجل قال لي : { يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا } الآية { وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة } الآية ، قالت : فقلت : في هذا أستأمر أبوي ؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ، قالت : ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلت } . رواه الجماعة إلا أبا داود ) .


[ ص: 286 ] قوله : ( خيرنا ) في لفظ لمسلم { خير نساءه } . قوله : ( فلم يعدها شيئا ) بتشديد الدال المهملة وضم العين من العدد .

وفي رواية { فلم يعدد } بفك الإدغام .

وفي أخرى { فلم يعتد } بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد .

وفي رواية لمسلم { فلم يعده طلاقا } وفي رواية للبخاري { أفكان طلاقا ؟ } على طريقة الاستفهام الإنكاري .

وفي رواية لأحمد { فهل كان طلاقا ؟ } وكذا للنسائي . وقد استدل بهذا من قال : إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوجة ، وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار ، ولكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثا ؟ فحكى الترمذي عن علي عليه السلام أنها إن اختارت نفسها فواحدة بائنة ، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية . وعن زيد بن ثابت : إن اختارت نفسها فثلاثا ، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة

وعن عمر وابن مسعود : إن اختارت نفسها فواحدة بائنة ، وعنهما : رجعية ، وإن اختارت زوجها فلا شيء . ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين ، فلو كان اختيارها لزوجها طلاقا لاتحدا ، فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق ، واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة . وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال : " كنا جلوسا عند علي عليه السلام فسئل عن الخيار فقال : سألني عنه عمر فقلت : إن اختارت نفسها فواحدة رجعية ، قال : ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة بائنة ، وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية ، قال : ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء ، قال : فلم أجد بدا من متابعته ، فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف . قال علي : وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت ، قال ، فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق علي نظير ما حكاه زاذان من اختياره

، وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت . واحتج بعض أتباعه لكونها إذا اختارت نفسها يقع ثلاثا بأن معنى الخيار بت أحد الأمرين : إما الأخذ أو الترك ، فلو قلنا : إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج ، وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما . وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة . وقال الشافعي : التخيير كناية ، فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أن تستمر في عصمته ، فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت ، فلو قالت : لم أرد باختيار نفسي الطلاق ، صدقت

وقال الخطابي : يؤخذ من قول عائشة : فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا . ووافقه القرطبي في المفهم فقال في الحديث . إن المخيرة إذا اختارت نفسها ، إن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقا من غير [ ص: 287 ] احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال : وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور . قال الحافظ : لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقا ، بل لا بد من إنشاء الزوج الطلاق لأن فيها { فتعالين أمتعكن وأسرحكن } أي بعد الاختيار ، ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم . واختلفوا في التخيير : هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل ؟

وللشافعي فيه قولان : المصحح عند أصحابه أنه تمليك ، وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع ، وفي وجه : لا يضر التأخير ما دام المجلس ، وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحته المالكية والحنفية والهادوية وهو قول الثوري والليث والأوزاعي . وقال ابن المنذر : الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ ، وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي من الحنفية . واحتجوا بما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة : { إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك } وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير . قال الحافظ : ويمكن أن يقال : يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخى كما وقع في قصة عائشة ، لا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية