صفحة جزء
باب اختصاص المسح بظهر الخف

235 - ( عن { علي رضي الله عنه قال : لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه } رواه أبو داود والدارقطني ) .


الحديث قال الحافظ في بلوغ المرام : إسناده حسن ، وقال في التلخيص : إسناده صحيح ، قلت : وفي إسناده عبد خير بن يزيد الهمداني وثقه يحيى بن معين وأحمد بن عبد الله العجلي ، وأما قول البيهقي : لم يحتج به صاحبا الصحيح ، فليس بقادح بالاتفاق . والحديث يدل على أن المسح المشروع وهو مسح ظاهر الخف دون باطنه ، وإليه ذهب الثوري وأبو حنيفة والأوزاعي وأحمد بن حنبل .

وذهب مالك والشافعي وأصحابهما والزهري وابن المبارك وروي عن سعد بن أبي وقاص وعمر بن عبد العزيز إلى أنه يمسح ظهورهما وبطونهما ، قال مالك والشافعي : إن مسح ظهورهما دون بطونهما أجزأه . قال مالك : من مسح باطن الخفين دون ظاهرهما لم يجزه ، وكان عليه الإعادة في الوقت وبعده ، وروي عنه غير ذلك . والمشهور عن الشافعي أن من مسح ظهورهما ، واقتصر على ذلك أجزأه ، ومن مسح باطنهما دون ظاهرهما لم يجزه ، وليس بماسح . وقالابن شهاب وهو قول الشافعي : إن من مسح بطونهما ، ولم يمسح ظهورهما أجزأه ، والواجب عند أبي حنيفة مسح قدر ثلاث أصابع من أصابع اليد ، وعند أحمد مسح أكثر الخف .

وروي عن الشافعي أن الواجب ما يسمى مسحا . قال الحافظ في التلخيص لما ذكر حديث [ ص: 234 ] علي عليه السلام : والمحفوظ عن ابن عمر أنه كان يمسح أعلى الخف وأسفله ، كذا رواه الشافعي والبيهقي ، وروي عنه في صفة ذلك أنه كان يضع كفه اليسرى تحت العقب ، واليمنى على ظاهر الأصابع ، ويمر اليسرى على أطراف الأصابع من أسفل ، واليمنى إلى الساق .

واستدل من قال بمسح ظاهر الخف وباطنه بحديث المغيرة المذكور في آخر هذا الباب ، وفيه مقال سنذكره عند ذكره . وليس بين الحديثين تعارض ، غاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح تارة على باطن الخف وظاهره ، وتارة اقتصر على ظاهره ، ولم يرو عنه ما يقضي بالمنع من إحدى الصفتين ، فكان جميع ذلك جائز وسنة .

236 - ( وعن المغيرة بن شعبة قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظهور الخفين } رواه أحمد وأبو داود والترمذي ولفظه : على الخفين على ظاهرهما ، وقال : حديث حسن ) . الحديث قال البخاري في التاريخ : هو بهذا اللفظ أصح من حديث رجاء بن حيوة الآتي . وفي الباب عن عمر بن الخطاب عند ابن أبي شيبة والبيهقي . واستدل بالحديث من قال بمسح ظاهر الخف .

وقد تقدم الكلام عليه في الذي قبله

237 - ( وعن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن وراد كاتب المغيرة بن شعبة عن المغيرة بن شعبة { أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله } . رواه الخمسة إلا النسائي ، وقال الترمذي : هذا حديث معلول لم يسنده عن ثور غير الوليد بن مسلم ، وسألت أبا زرعة ومحمدا عن هذا الحديث فقالا : ليس بصحيح ) . الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي وابن الجارود . قال الأثرم عن أحمد : إنه كان يضعفه ويقول : ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن ابن المبارك عن ثور حدثت عن رجاء عن كاتب المغيرة ولم يذكر المغيرة .

قال أحمد : وقد كان نعيم بن حماد حدثني به عن ابن المبارك كما حدثني الوليد بن مسلم به عن ثور ، فقلت له : إنما يقول هذا الوليد ، وأما ابن المبارك فيقول : حدثت عن رجاء ، ولم يذكر المغيرة ، فقال لي نعيم : هذا حديثي الذي أسأل عنه ، فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق ، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم عن المغيرة ، فأوقفته عليه وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها ، [ ص: 235 ] فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع : اضربوا على هذا الحديث .

وقال ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة حديث الوليد ليس بمحفوظ . وقال موسى بن هارون لم يسمعه ثور من رجاء ، ورواه أبو داود الطيالسي عن عروة بن المغيرة عن أبيه . وكذا أخرجه البيهقي . قال الحافظ بعد أن ذكر قول الترمذي : إنه لم يسنده عن ثور غير الوليد . قلت : رواه الشافعي في الأم عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى عن ثور مثل الوليد ، قال أبو داود : لم يسمعه ثور من رجاء ، وقد وقع في سنن الدارقطني من طريق داود بن رشيد تصريح ثور بأنه حدثه رجاء ، قال الحافظ : وهذا ظاهره أن ثورا سمعه من رجاء ، فتزول العلة ، ولكن رواه أحمد بن عبد الصفار في مسنده من طريقه . فقال عن ثور عن رجاء ، فهذا اختلاف على داود يمنع من القول بصحة وصله مع ما تقدمه من كلام الأئمة .

والحديث استدل به من قال بمسح أعلى الخف وأسفله ، وتقدم الكلام على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية