صفحة جزء
باب الاعتداد بالأقراء وتفسيرها 2932 - ( عن الأسود عن عائشة قالت { : أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض } . رواه ابن ماجه ) .

2933 - ( وعن ابن عباس { : أن النبي صلى الله عليه وسلم خير بريرة فاختارت نفسها ، وأمرها أن تعتد عدة الحرة } . رواه أحمد والدارقطني وقد أسلفنا قوله صلى الله عليه وسلم في المستحاضة { تجلس أيام أقرائها } ) .

2934 - ( وروي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : طلاق الأمة تطليقتان ، وعدتها حيضتان } رواه الترمذي وأبو داود .

وفي لفظ : { طلاق العبد اثنتان ، وقرء الأمة حيضتان } رواه الدارقطني ) .

2935 - ( وروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان } رواه ابن ماجه والدارقطني وإسناد الحديثين ضعيف ، والصحيح عن ابن عمر قوله : { عدة الحرة ثلاث حيض ، وعدة الأمة حيضتان } ) .


حديث عائشة الأول قال الحافظ في بلوغ المرام : رواته ثقات لكنه معلول . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط . قال في مجمع الزوائد : ورجال أحمد رجال الصحيح ، ويشهد له ما أخرجه أحمد من حديث بريرة بنحوه . والحديث الذي أشار إليه المصنف في المستحاضة تقدم في أبواب الحيض وتقدم في معناه أحاديث . وحديث عائشة الثاني أخرجه أيضا البيهقي . قال أبو داود : هو حديث مجهول . وقال الترمذي : حديث غريب ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ، ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث ا هـ . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي ، وفي إسناده عمرو بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان ، وصحح الدارقطني الموقوف . وقد ذكر المصنف هذه الأحاديث للاستدلال بها على أن عدة المطلقة ثلاثة أقراء ، وعلى [ ص: 345 ] أن الأقراء هي الحيض

أما الأول فهو صريح قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } وإنما وقع الخلاف في الأقراء المذكورة في الآية : هل هي الأطهار أو الحيض ؟ فظاهر قوله صلى الله عليه وسلم : " تعتد بثلاث حيض " وقوله : " تجلس أيام أقرائها " وقوله : " وعدتها حيضتان " أن الأقراء هي الحيض ، وقراءة الجمهور : قروء بالهمز . وعن نافع بتشديد الواو بغير همز . قال الأخفش أقرأت المرأة : إذا صارت ذات حيض . وعن أبي عبيد أن القرء يكون بمعنى الطهر ، وبمعنى الضم والجمع ، وجزم به ابن بطال .

وفي القاموس : القرء ، ويضم : الحيض والطهر ، انتهى . وزعم كثير أن القرء مشترك بين الحيض والطهر ، وقد أنكر صاحب الكشاف إطلاقه على الطهر

وقال ابن القيم : إن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض ، ولم يجئ عنه في موضع واحد استعماله للطهر ، فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى ، بل يتعين ، فإنه قد قال للمستحاضة : " دعي الصلاة أيام أقرائك " وهو صلى الله عليه وسلم المعبر عن الله وبلغة قومه نزل القرآن ، فإذا أورد المشترك في كلامه على أحد معنييه وجب حمله في سائر كلامه عليه ، إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه ألبتة ، ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها وإن كان له معنى آخر في كلام غيره ، وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته ، فيتعين حمله عليها في كلامه . ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى: { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين ، والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي ، وبهذا قال السلف والخلف ، ولم يقل أحد إنه الطهر ، وأيضا فقد قال سبحانه : { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل كل شهر بإزاء حيضة ، وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر والحيض ، وقد أطال الكلام ابن القيم وأطاب ، فليراجع وحكى في البحر عن العترة أن القرء بفتح القاف وضمها حقيقة في الحيض مجاز في الطهر

وعن بعض أصحاب الشافعي عكس ذلك . وعن الأكثر أنه مشترك ، وعن الأخفش الصغير أنه اسم لانقضاء الحيض ، ثم قال في البحر : ولا خلاف أن المراد بالآية أحدهما لا مجموعهما . قال : فعن أمير المؤمنين علي وابن مسعود وأبي موسى والعترة والحسن البصري والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وأبي حنيفة وأصحابه : المراد به في الآية : الحيض . وعن ابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة والصادق والباقر والإمامية والزهري وربيعة ومالك والشافعي وفقهاء المدينة ، ورواية عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه الأطهار . ثم رجح القول الأول واستدل له ، وقد أخذ بظاهر حديث عائشة وابن عمر المذكورين في الباب الشافعي فقال : لا يملك العبد من الطلاق إلا اثنتين ، حرة كانت [ ص: 346 ] زوجته أو أمة

وقال الناصر وأبو حنيفة : إلا اثنتان في الأمة لا في الحرة فكالحر ، وقالوا كلهم : عدة الحرة منه ثلاثة قروء ، وعدة الأمة قرءان . وذهبت الهادوية وغيرهم أن العبد يملك من الطلاق ما يملكه الحر ، والعدة منه كالعدة من الحر مطلقا . وتمسكوا بعموم الأدلة الواردة في ذلك فإنها شاملة للحر والعبد . ويجاب بأن ما في الباب مخصص لذلك العموم ، ويؤيده ما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود وابن عباس مرفوعا " الطلاق بالرجال والعدة بالنساء " والإعلال بالوقف غير قادح ; لأن الرفع زيادة . وأيضا قد روي عن أحمد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه نحو ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية