صفحة جزء
باب قتل الرجل بالمرأة والقتل بالمثقل وهل يمثل بالقاتل إذا مثل أم لا ؟ 3006 - عن أنس : { أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها : من فعل بك هذا ؟ فلان أو فلان حتى سمي اليهودي فأومأت برأسها فجيء به فاعترف فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرض رأسه بحجرين } رواه الجماعة


[ ص: 23 ] قوله : ( رض رأس جارية ) في رواية لمسلم " فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبها رمق " وفي رواية أخرى { قتل جارية من الأنصار على حلي لها ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة ، فأمر به أن يرجم حتى يموت ، فرجم حتى مات } والحديث يدل على أنه يقتل الرجل ، وإليه ذهب الجمهور .

وحكى ابن المنذر الإجماع عليه إلا رواية عن علي ، وعن الحسن وعطاء ، ورواه البخاري عن أهل العلم ، وروي في البحر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعكرمة وعطاء ومالك وأحد قولي الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية ، وقد رواه أيضا عن الحسن البصري أبو الوليد الباجي والخطابي . وحكى هذا القول صاحب الكشاف عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر عنهم ولكنه قال : وهو مذهب مالك والشافعي ، ولم يقل : وهو أحد قولي الشافعي كما قال صاحب البحر .

وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التي ذكرها الزمخشري وهم محض .

قال : ولا يوجد في كتب المذهبين ، يعني مذهب مالك والشافعي تردد في قتل الذكر بالأنثى انتهى . وأخرج البيهقي عن أبي الزناد أنه قال : كان من أدركته من فقهائنا الذين ينتهى إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار في مشيخة جلة من سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل ، أن المرأة تقاد من الرجل عينا بعين وأذنا بأذن ، وكل شيء من الجراح على ذلك وإن قتلها قتل بها . ورويناه عن الزهري وغيره وعن النخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز

قال البيهقي : وروينا عن الشعبي وإبراهيم خلافه فيما دون النفس . واختلف الجمهور هل يتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة أم لا ؟ فذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو العباس وأبو طالب إلى أنهم يتوفون نصف دية الرجل ، وحكاه البيهقي عن عثمان البتي ، وحكاه أيضا السعد في حاشية الكشاف عن مالك . وذهبت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا توفية . وقد احتج القائلون بثبوت القصاص بقوله تعالى : { النفس بالنفس } . ويجاب عن ذلك بما قدمنا في الباب الأول من أن هذه الآية حكاية عن بني إسرائيل كما يدل على ذلك قوله تعالى: { وكتبنا عليهم فيها } أي في التوراة . وقد صرح صاحب الكشاف بأنها واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها ، فتكون هذه الآية مفسرة أو مقيدة أو مخصصة بقوله تعالى : { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وهذه الآية تدل على اعتبار الموافقة ذكورة وأنوثة وحرية .

وقد أجاب السعد عن هذا في حاشيته على الكشاف بوجوه : الأول : أن القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للقيد فائدة ، وههنا الفائدة أن الآية إنما [ ص: 24 ] نزلت لذلك . والثاني : أنه لو اعتبر ذلك لزم أن لا تقتل الأنثى بالذكر نظرا إلى مفهوم الأنثى ، قال : وهذا يرد على ما ذكرنا أيضا ويدفع بأنه يعلم بطريق الأولى . والثالث : أنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس بالنفس كيفما كانت . لا يقال : تلك حكاية عما في التوراة لا بيان للحكم في شريعتنا . لأنا نقول : شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة ، وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ ، وما ذكر هنا يعني في البقرة يصلح مفسرا فلا يجعل ناسخا ، وأما أن تلك الآية يعني آية المائدة ليست ناسخة لهذه فلأنها مفسرة بها فلا تكون هي منسوخة بها .

ودليل آخر على عدم النسخ أن تلك ، أعني النفس بالنفس حكاية لما في التوراة ، وهذه أعني { الحر بالحر } . . . إلخ ، خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها تلك ، وإلى هذا أشار يعني الزمخشري بقوله : ولأن تلك عطفا على مضمون قوله ، ويقولون : هي مفسرة ، لكنهم يقولون : إن المحكي في كتابنا من شريعة من قبلنا بمنزلة المنصوص المقرر فيصلح ناسخا ، وما ذكرنا من كونه مفسرا إنما يتم لو كان قولنا النفس بالنفس مبهما ولا إبهام بل هو عام ، والتنصيص على بعض الأفراد لا يدفع العموم سيما والخصم يدعي تأخر العام حيث يجعله ناسخا ، لكن يرد عليه أنه ليس فيه رفع شيء من الحكم السابق بل إثبات زيادة حكم آخر ، اللهم إلا أن يقال : إن في قوله : { الحر بالحر } الآية ، دلالة على وجوب اعتبار المساواة في الحرية والذكورة دون الرق والأنوثة انتهى كلام السعد .

والحاصل أن الاستدلال بالقرآن على قتل الحر بالعبد أو عدمه أو قتل الذكر بالأنثى أو عدمه لا يخلو عن إشكال يفت في عضد الظن الحاصل بالاستدلال ، فالأولى التعويل على ما سلف من الأحاديث القاضية بأنه لا يقتل الحر بالعبد ، وعلى ما ورد من الأحاديث والآثار القاضية بأنه يقتل الذكر بالأنثى . منها حديث الباب وإن كان لا يخلو عن إشكال ، لأن قتل الذكر الكافر بالأنثى المسلمة لا يستلزم قتل الذكر المسلم بها لما بينهما من التفاوت ولو لم يكن إلا ما أسلفنا من الأدلة القاضية بأنه لا يقتل المسلم بالكافر . ومنها ما أخرجه مالك والشافعي من حديث عمرو بن حزم : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالأنثى } وهو عندهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه : { أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم أن الذكر يقتل بالأنثى } ووصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده ، وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يسمع منه كما قال الحافظ . وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر . ومن طريقه [ ص: 25 ] الدارقطني . ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلا . ورواه أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال : " قرأت في كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران ، وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم " ورواه النسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي موصولا مطولا من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود : حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده ، وفرقه الدارمي في مسنده عن الحكم مقطعا . قال الحافظ : وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل : قد أسند هذا الحديث ولا يصح ، والذي في إسناد سليمان بن داود وهم إنما هو سليمان بن أرقم . وقال في موضع آخر : لا أحدث به ، وقد وهم الحكم بن موسى في قوله : سليمان بن داود ، وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأ في أصل يحيى بن حمزة : سليمان بن أرقم ، وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي : إنه الصواب ، وتبعه صالح بن محمد جزرة وأبو الحسن الهروي وغيرهما . وقال صالح جزرة : حدثنا دحيم قال : قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم فإذا هو عن سليمان بن أرقم . قال صالح : كتب عني هذه الحكاية مسلم بن الحجاج . قال الحافظ أيضا : ويؤيد هذه الحكاية ما رواه النسائي عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري ، وقال : هذا أشبه بالصواب ، وقال ابن حزم في المحلى : صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة ، وسليمان بن داود متفق على تركه . وقال عبد الحق : سليمان بن داود الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف ، ويقال : إنه سليمان بن أرقم . وتعقبه ابن عدي فقال : هذا خطأ إنما هو سليمان بن داود ، وقد جوده الحكم بن موسى ، وقال أبو زرعة : عرضت على أحمد فقال : سليمان بن داود اليمامي ضعيف ، وسليمان بن داود الخولاني ثقة ، وكلاهما يروي عن الزهري ، والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني ، فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوي هو اليمامي . وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ . وحكى الحاكم عن أبي حاتم أنه سئل عن حديث عمرو بن حزم فقال : سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به . وقد صحح هذا الحديث ابن حبان والحاكم والبيهقي ونقل عن أحمد أنه قال : أرجو أن يكون صحيحا ، وصححه أيضا من حيث الشهرة لا من حيث الإسناد جماعة من الأئمة منهم الشافعي فإنه قال في رسالته : لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال ابن عبد البر : هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغنى بشهرته عن الإسناد لأنه أشبه المتواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة . [ ص: 26 ] قال : ويدل على شهرته ما روى ابن وهب عن مالك عن الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال : " وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " . وقال العقيلي : هذا حديث ثابت محفوظ إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري . وقال يعقوب بن أبي سفيان : لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا ، فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم . قال الحاكم : قد شهد عمر بن عبد العزيز ، وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب ، ثم ساق ذلك بسنده إليهما وسيأتي لفظ هذا الحديث في أبواب الديات ، هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للجمهور . وما يقوي ما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وسلم : { وهم يقتلون قاتلها } وسيأتي في باب أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء . ووجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة .

ومما يقوي ما ذهبوا إليه أيضا أنا قد علمنا أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: { ولكم في القصاص حياة } وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة منها : كراهية توريثهن . ومنها : مخافة العار لا سيما عند ظهور أدنى شيء منهن لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد . ومنها : كونهن مستضعفات لا يخشى من رام القتل لهن أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال ، فلا شك ولا ريب أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن ولا سيما في مواطن الأعراب المتصفين بغلظ القلوب وشدة الغيرة والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية . لا يقال : يلزم مثل هذا في الحر إذا قتل عبدا ، لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الأمر .

لأنا نقول : هذه المناسبة إنما تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحر لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع ، ويعمل بما في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك ، بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت .

وفي حديث الباب دليل على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل ، وسيأتي بيان الخلاف فيه .

وفيه أيضا دليل على أنه يجوز القود بمثل ما قتل به المقتول ، وإليه ذهب الجمهور . ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى: { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى: { فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله تعالى: { وجزاء سيئة سيئة مثلها } . وما أخرجه البيهقي والبزار عنه صلى الله عليه وسلم من حديث البراء .

وفيه { ومن حرق حرقناه ، ومن غرق غرقناه } قال البيهقي : في إسناده بعض من يجهل ، وإنما قاله زياد في خطبته ، وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز كمن قتل غيره بإيجاره الخمر أو اللواط به .

وذهبت العترة والكوفيون ، [ ص: 27 ] ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف . واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة . منها : { لا قود إلا بالسيف } وأخرجه ابن ماجه أيضا والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة . وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة . وأخرجه الدارقطني من حديث علي ، وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود . وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا ، وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم : حديث منكر وقال عبد الحق وابن الجوزي : طرقه كلها ضعيفة .

وقال البيهقي : لم يثبت له إسناد .

ويؤيد معنى هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضا ، حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة } وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به ، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يأمر بضرب عنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه ، فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم : يا رسول الله دعني أضرب عنقه ، حتى قيل : إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة . وقد ثبت النهي عنها كما سيأتي ، وأما حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يقتل القاتل ويصبر الصابر } أخرجه البيهقي والدارقطني وصححه ابن القطان .

فالأشهر فيه رواية معمر عن إسماعيل بن أمية مرسلا .

وقد قال الدارقطني : الإرسال فيه أكثر . وقال البيهقي : الموصول غير محفوظ .

وأما حديث أنس المذكور في الباب فقد أجيب عنه بأنه فعل لا ظاهر له فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة والنهي عن المثلة وحصر القود في السيف

3007 - وعن حمل بن مالك قال { : كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها } رواه الخمسة إلا الترمذي

3008 - وعن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة } رواه النسائي

3009 - وعن عمران بن حصين قال : { ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا [ ص: 28 ] بالصدقة ونهانا عن المثلة } رواه أحمد وله مثله من رواية سمرة الحديث الأول أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة والمغيرة بن شعبة ولكن بدون زيادة قوله : " وأن تقتل بها " التي هي المقصود من ذكر الحديث ههنا .

وقد قال المنذري : إن هذه الزيادة لم تذكر في غير هذه الرواية . وحديث أنس رجال إسناده ثقات ، فإن النسائي قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الصمد ، حدثنا هشام عن قتادة عن أنس فذكره .

وحديث عمران بن حصين قال في مجمع الزوائد : رواه الطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفهم انتهى . وأحاديث النهي عن المثلة أيضا أصلها في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري وفي غيره من حديث ابن عباس . قال الترمذي : وفي الباب يعني في النهي عن المثلة عن عبد الله بن مسعود وشداد بن أوس وسمرة والمغيرة ويعلى بن مرة وأبي أيوب انتهى قوله : ( بمسطح ) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة أيضا بعدها حاء مهملة . قال أبو داود : قال النضر بن شميل : المسطح : هو الصولج . ا هـ والصولج : الذي يرقق به الخبز . وقال أبو عبيد : هو عود من أعواد الخباء .

. وقد استدل المصنف رحمه اللهبحديث حمل بن مالك المذكور على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وإليه ذهب الجمهور ، ومن أدلتهم أيضا حديث أنس المذكور أول الباب . وحكي في البحر عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وأبي حنيفة أنه لا قصاص بالمثقل . واحتجوا بما أخرجه البيهقي من حديث النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل شيء خطأ إلا السيف ولكل خطإ أرش } وفي لفظ : { كل شيء سوى الحديدة خطأ ولكل خطإ أرش } وهذا الحديث يدور على جابر الجعفي وقيس بن الربيع ولا يحتج بهما ، وأيضا هذا الدليل أخص من الدعوى ، فإن أبا حنيفة يوجب القصاص بالمحدد ولو كان حجرا أو خشبا ، ويوجبه أيضا بالمنجنيق لكونه معروفا بقتل الناس وبالإلقاء في النار .

فالراجح ما ذهب إليه الجمهور لأن المقصود بالقصاص صيانة الدماء من الإهدار ، والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إتلاف النفوس ، فلو لم يجب به القصاص كان ذلك ذريعة إلى إزهاق الأرواح ، والأدلة الكلية القاضية بوجوب القصاص كتابا وسنة وردت مطلقة غير مقيدة بمحدد أو غيره .

وهذا إذا كانت الجناية بشيء يقصد به القتل في العادة وكان الجاني عامدا لا لو كانت بمثل العصا والسوط والبندقة ونحوها فلا قصاص فيها عند الجمهور وهي شبه العمد على ما سيأتي تحقيقه . وسيأتي أيضا بقية الكلام على حديث حمل بن مالك في باب دية الجنين من أبواب الديات ، وقد استدل بالأحاديث المذكورة في النهي عن المثلة القائلون بأنه لا يجوز الاقتصاص بغير السيف ، وقد قدمنا الخلاف في ذلك . قال الترمذي : وكره أهل العلم المثلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية