صفحة جزء
باب ثبوت القتل بشاهدين 3030 - عن رافع بن خديج قال { أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال : لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم فقالوا يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود قد يجترئون على أعظم من هذا قال فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده } رواه أبو داود

3031 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده { أن ابن محيصة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليكم برمته فقال يا رسول الله ومن أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم قال فتحلف خمسين قسامة فقال يا رسول الله فكيف أحلف على ما لم أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستحلف منهم خمسين قسامة فقال يا رسول الله كيف نستحلفهم وهم اليهود فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ديته عليهم وأعانهم بنصفها } رواه النسائي


الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجاله رجال الصحيح إلا الحسن بن علي بن راشد وقد وثق . والحديث الثاني في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه ، والراوي عنه عبيد الله بن الأخنس ، وقد حسن الحافظ في الفتح إسناد هذا الحديث والكلام على ما اشتمل عليه الحديثان من أحكام القسامة يأتي في بابها ، وأوردهما المصنف ههنا للاستدلال بهما على أنه يثبت القتل بشهادة شاهدين ، ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه يقول باشتراط زيادة على شهادة شاهدين في القصاص ، ولكنه وقع الخلاف في قبول شهادة النساء في القصاص كالمرأتين مع الرجل ، فحكى صاحب البحر عن الأوزاعي والزهري أن القصاص كالأموال فيكفي فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين . وظاهر [ ص: 43 ] اقتصاره على حكاية ذلك عنهما فقط أن من عداهما يقول بخلافه ، والمعروف من مذهب الهادوية أنها لا تقبل في القصاص إلا شهادة رجلين أصلين لا فرعين ، والمعروف في مذهب الشافعية أنه يكفي في الشهادة على المال والعقود المالية شهادة رجلين أو رجل وامرأتين .

وفي عقوبة لله تعالى كحد الشرب وقطع الطريق ، أو لآدمي كالقصاص رجلان . قال النووي في المنهاج ما لفظه : ولمال وعقد مالي كبيع وإقالة وحوالة وضمان وحق مالي كخيار رجلان أو رجل وامرأتان ، ولغير ذلك من عقوبة لله تعالى أو لآدمي وما يطلع عليه رجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وردة وجرح وتعديل وموت وإعسار ووكالة ووصاية وشهادة على شهادة رجلان انتهى . واستدل الشارح المحلي للأول بقوله تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } قال : وعموم الأشخاص مستلزم لعموم الأحوال المخرج منه ما يشترط فيه الأربعة وما لا يكتفى فيه بالرجل والمرأتين .

واستدل للثاني بما رواه مالك عن الزهري ، قال { : مضت السنة أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق } . وقال : وقيس على الثلاثة باقي المذكورات بجامع أنها ليست بمال ولا يقصد منها مال ، والقصد من الوكالة والوصاية الراجعتين إلى المال الولاية والخلافة لا المال انتهى . وقد أخرج قول الزهري المذكور ابن أبي شيبة بإسناد فيه الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف مع كون الحديث مرسلا لا تقوم بمثله الحجة فلا يصلح لتخصيص عموم القرآن باعتبار ما دخل تحت نصه فضلا عما لم يدخل تحته بل ألحق به بطريق القياس ، وأما الحديثان المذكوران في الباب فليس فيهما إلا مجرد التنصيص على شهادة الشاهدين في القصاص ، وذلك لا يدل على عدم قبول شهادة رجل وامرأتين ، وغاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب ما هو الأصل الذي لا يجزي عنه غيره إلا مع عدمه كما يدل عليه قوله تعالى: { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } والأصل مع إمكانه متعين لا يجوز العدول إلى بدله مع وجوده فذلك هو النكتة في التنصيص في حديثي الباب على شهادة الشاهدين قوله : ( إن ابن محيصة ) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية وتشديدها وفتح الصاد المهملة .

قوله : ( برمته ) بضم الراء وتشديد الميم : وهي الحبل الذي يقاد به . قوله : ( فقسم ديته عليهم ) هو مخالف لما في المتفق عليه الآتي وسيأتي الكلام على ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية