صفحة جزء
باب دية أهل الذمة 3064 - ( عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : عقل الكافر نصف دية المسلم } . رواه أحمد والنسائي والترمذي ، وفي لفظ { : قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى } . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه ، وفي رواية { : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم } قال : وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا ، فقال : إن الإبل قد غلت ، قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا ، وعلى أهل البقر مائتي بقرة ، وعلى أهل الشاة ألفي شاة ، وعلى أهل الحلل مائتي حلة ، قال وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية . رواه أبو داود ) .

3065 - ( وعن سعيد بن المسيب قال : كان عمر يجعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف والمجوسي ثمانمائة . رواه الشافعي والدارقطني )


حديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي وصححه ابن الجارود .

وأثر عمر أخرجه [ ص: 79 ] أيضا البيهقي .

وأخرج ابن حزم في الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر { : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دية المجوسي ثمانمائة درهم } وأخرجه أيضا الطحاوي وابن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة .

وروى البيهقي عن ابن مسعود وعلي عليه السلام أنهما كانا يقولان : " في دية المجوسي ثمانمائة درهم " .

وفي إسناده ابن لهيعة . وأخرج البيهقي أيضا عن عقبة بن عامر نحوه ، وفيه أيضا ابن لهيعة وروى نحو ذلك ابن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان ، وفيه ابن لهيعة

قوله : ( عقل الكافر نصف دية المسلم ) أي دية الكافر نصف دية المسلم ، فيه دليل على أن دية الكافر الذمي نصف دية المسلم ، وإليه ذهب مالك ، وذهب الشافعي والناصر إلى أن دية الكافر أربعة آلاف درهم والذي في منهاج النووي أن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ، ودية المجوسي ثلثا عشر دية المسلم قال شارحه المحلي : أنه قال بالأول عمر وعثمان ، وبالثاني عمر وعثمان أيضا وابن مسعود ثم قال النووي في المنهاج : وكذا وثني له أمان يعني أن ديته دية مجوسي ، ثم قال : والمذهب أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل فديته دية دينه وإلا فكمجوسي ، وحكي في البحر عن زيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه أن دية المجوسي كالذمي ، وعن الناصر والإمام يحيى والشافعي ومالك أنها ثمانمائة درهم

وذهب الثوري والزهري وزيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والقاسمية إلى أن دية الذمي كدية المسلم .

وروي عن أحمد أن ديته مثل دية المسلم إن قتل عمدا وإلا فنصف دية . احتج من قال : إن ديته ثلث دية المسلم بفعل عمر المذكور من عدم رفع دية أهل الذمة وأنها كانت في عصره أربعة آلاف درهم ودية المسلم اثنا عشر ألف درهم . ويجاب عنه بأن فعل عمر ليس بحجة على فرض عدم معارضته لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فكيف وهو هنا معارض للثابت قولا وفعلا . وتمسكوا في جعل دية المجوسي ثلثي عشر دية المسلم بفعل عمر المذكور في الباب . ويجاب عنه بما تقدم ويمكن الاحتجاج لهم بحديث عقبة بن عامر الذي ذكرناه فإنه موافق لفعل عمر ; لأن ذلك المقدار هو ثلثا عشر الدية إذ هي اثنا عشر ألف درهم وعشرها اثنا عشر مائة ، وثلثا عشرها ثمانمائة

ويجاب بأن إسناده ضعيف كما أسلفنا فلا يقوم بمثله حجة . لا يقال : إن الرواية الثانية من حيث الباب بلفظ : " قضى أن عقل أهل الكتابين . . . إلخ " مقيدة باليهود والنصارى ، والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس

لأنا نقول : لا نسلم صلاحية الرواية الثانية للتقييد ولا للتخصيص ; لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام وما كان كذلك فلا يكون مقيدا لغيره ولا مخصصا له ، ويوضح ذلك أن غاية ما في قوله عقل أهل الكتابين [ ص: 80 ] أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللقب ، وهو غير معمول به عند الجمهور وهو الحق فلا يصلح لتخصيص : قوله صلى الله عليه وسلم { عقل الكافر نصف دية المسلم } ولا لتقييده على فرض الإطلاق ولا سيما ومخرج اللفظين واحد والراوي واحد ، فإن ذلك يفيد أن أحدهما من تصرف الراوي ، واللازم الأخذ بما هو مشتمل على زيادة فيكون المجوسي داخلا تحت ذلك العموم وكذلك كل من له ذمة من الكفار ولا يخرج عنه إلا من لا ذمة له ولا أمان ولا عهد من المسلمين لأنه مباح الدم ، ولو فرض عدم دخول المجوسي تحت ذلك اللفظ كان حكمه حكم اليهود والنصارى ، والجامع الذمة من المسلمين للجميع ويؤيد ذلك حديث : { سنوا بهم سنة أهل الكتاب }

واحتج القائلون بأن دية الذمي كدية المسلم بعموم قوله تعالى: { وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } قالوا : وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم . ويجاب عنه أولا بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم ، لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين . وثانيا بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب

واستدلوا ثانيا بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس ، وقال : غريب { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وكان لهما عهد من النبي صلى الله عليه وسلم لم يشعر به عمرو بدية المسلمين } . وبما أخرجه البيهقي عن الزهري { أنها كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مثل دية المسلم } ، وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان ، فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف وألقى النصف في بيت المال . قال : ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية . وبما أخرجه أيضا عن عكرمة عن ابن عباس قال : { جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية العامريين دية الحر المسلم وكان لهما عهد } وأخرج أيضا من وجه آخر { أنه صلى الله عليه وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم }

وأخرج أيضا عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم ودى ذميا دية مسلم } ويجاب عن حديث ابن عباس بأن في إسناده أبا سعيد البقال واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه ، والراوي عنه أبو بكر بن عياش .

وحديث الزهري مرسل ومراسيله قبيحة لأنه حافظ كبير لا يرسل إلا لعلة .

وحديث ابن عباس الآخر في إسناده أيضا أبو سعيد البقال المذكور ، وله طريق أخرى فيها الحسن بن عمارة وهو متروك .

وحديث ابن عمر في إسناده أبو كرز وهو أيضا متروك . ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب وهو أرجح منها من جهة صحته ، وكونه قولا وهذه فعلا والقول أرجح من الفعل

ولو سلمنا صلاحيتها للاحتجاج وجعلناها مخصصة لعموم حديث الباب كان غاية ما فيها إخراج المعاهد ولا ضير في ذلك ، فإن بين الذمي والمعاهد فرقا ; لأن الذمي ذل ورضي بما حكم به عليه من الذلة بخلاف المعاهد فلم يرض بما حكم عليه به منها فوجب ضمان [ ص: 81 ] دمه وماله الضمان الأصلي الذي كان بين أهل الكفر وهو الدية الكاملة التي ورد الإسلام بتقريرها ، ولكنه يعكر على هذا ما وقع في رواية من حديث عمرو بن شعيب عند أبي داود بلفظ : { دية المعاهد نصف دية الحر } وتخلص عن هذا بعض المتأخرين فقال : إن لفظ المعاهد يطلق على الذمي فيحمل ما وقع في حديث عمرو بن شعيب عليه ليحصل الجمع بين الأحاديث ولا يخفى ما في ذلك من التكلف ، والراجح العمل بالحديث الصحيح وطرح ما يقابله مما لا أصل له في الصحة ، وأما ما ذهب إليه أحمد من التفصيل باعتبار العمد والخطإ فليس عليه دليل .

التالي السابق


الخدمات العلمية