صفحة جزء
باب من قتل في المعترك من يظنه كافرا فبان مسلما من أهل دار الإسلام [ ص: 88 ] عن محمود بن لبيد قال : { اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة يوم أحد ولا يعرفونه فقتلوه فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يديه فتصدق حذيفة بديته على المسلمين } . رواه أحمد ) .

3073 - ( وعن عروة بن الزبير قال { : كان أبو حذيفة اليمان شيخا كبيرا ، فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد ، فخرج يتعرض للشهادة فجاء من ناحية المشركين فابتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول : أبي أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه ، فقال حذيفة : يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بديته } . رواه الشافعي ) .


حديث محمود بن لبيد في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح . وأصل الحديثين في صحيح البخاري وغيره عن عروة عن عائشة قالت : { لما كان يوم أحد هزم المشركون فصاح إبليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولاهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه فقال : أي عباد الله أبي أبي ، قالت : فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه ، قال حذيفة : غفر الله لكم ، قال عروة : فما زالت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله } .

قد أخرج أبو إسحاق الفزاري في السيرة عن الأوزاعي عن الزهري قال : { أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه فقال حذيفة : يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين ، فبلغت النبي صلى الله عليه وسلم فوداه من عنده } .

وأخرج أبو العباس السراج في تاريخه من طريق عكرمة { أن والد حذيفة قتل يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم } قال في الفتح : ورجاله ثقات مع إرساله انتهى

وهذان المرسلان يقويان مرسل عروة المذكور في الباب في دفع أصل الدية ، وإن كان حديث عروة يدل على أنه لم يحصل منه صلى الله عليه وسلم إلا مجرد القضاء بالدية ، ومرسل الزهري وعكرمة يدلان على أنه صلى الله عليه وسلم وداه من عنده . وحديث محمود بن لبيد المذكور يدل على أن حذيفة تصدق بدية أبيه على المسلمين ، ولا تعارض بينه وبين تلك المرسلات لأن غاية ما فيها أنه وقع القضاء منه صلى الله عليه وسلم بالدية أو وقع منه الدفع لها من بيت المال ، وليس فيها [ ص: 89 ] أن حذيفة قبضها وصيرها من جملة ماله حتى ينافي ذلك تصدقه بها عليهم . ويمكن الجمع أيضا بين تلك المرسلات بأنه وقع منه صلى الله عليه وسلم القضاء بالدية ثم الدفع لها من بيت المال ثم تعقب ذلك التصدق بها من حذيفة

وقد استدل المصنف رحمه الله تعالىبما ذكره على الحكم فيمن قتله قاتل في المعركة وهو يظنه كافرا ثم انكشف مسلما ، وقد ترجم البخاري على حديث عائشة الذي ذكرناه فقال : باب إذا مات من الزحام ، وترجم عليه في باب آخر فقال : باب العفو في الخطإ بعد الموت . قالابن بطال : اختلف على عمر وعلي عليه السلام هل تجب الدية في بيت المال أو لا ؟ وبه قال إسحاق : أي بالوجوب . وتوجيهه أنه مسلم مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين . وروى مسدد في مسنده من طريق يزيد بن مذكور " أن رجلا زحم يوم الجمعة فمات ، فوداه علي رضي الله تعالى عنهمن بيت مال المسلمين " . وقال الحسن البصري : إن ديته تجب على جميع من حضر ، وإلى ذلك ذهبت الهادوية

وقال الشافعي ومن وافقه : إنه يقال لولي المقتول : ادع على من شئت واحلف فإن حلفت استحققت الدية وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة ، وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب ، ومنها : قول مالك : دمه هدر . وتوجيهه إذا لم يعلم قاتله بعينه استحال أن يؤخذ به أحد . قوله : ( الآطام ) جمع أطم وهو بناء مرتفع كالحصن . قوله : ( توشقوه ) بالشين المعجمة وبعدها قاف أي قطعوه بأسيافهم ومنه الوشيقة وهي اللحم يغلي ثم يقدد .

التالي السابق


الخدمات العلمية