صفحة جزء
باب ما جاء في مسألة الزبية والقتل بالسبب 3074 - ( عن حنش بن المعتمر عن علي رضوان الله عليه قال { : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ، ثم تعلق الرجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة ، فجرحهم الأسد فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم ، فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا ، فأتاهم علي رضوان الله عليه على تفئة ذلك ، فقال : تريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي ؟ إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم به فهو القضاء ، وإلا حجر بعضكم على بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم ، فمن عدا بعد ذلك فلا حق له ، اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة ، وللثاني ثلث [ ص: 90 ] الدية ، وللثالث نصف الدية ، وللرابع الدية كاملة فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة ، فأجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه أحمد ، ورواه بلفظ آخر نحو هذا وفيه : وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا ) .

3075 - ( وعن علي بن رباح اللخمي أن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافة عمر بن الخطاب وهو يقول :

يا أيها الناس لقيت منكرا هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا     خرا معا كلاهما تكسرا

وذلك أن أعمى كان يقوده بصير فوقعا في بئر فوقع الأعمى على البصير ، فمات البصير ، فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى . رواه الدارقطني ، وفي الحديث ، أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر الدية . حكاه أحمد في رواية ابن منصور وقال : أقول به )


حديث حنش بن المعتمر أخرجه أيضا البيهقي والبزار ، قال : ولا نعلمه يروى إلا عن علي ولا نعلم له إلا هذه الطريقة وحنش ضعيف ، وقد وثقه أبو داود ، قال في مجمع الزوائد : وبقية رجاله رجال الصحيح .

وأثر علي بن رباح أخرجه أيضا البيهقي وهو من رواية موسى بن علي بن رباح عن أبيه . قال الحافظ : وفيه انقطاع ولفظه : " فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى فذكر أن الأعمى كان ينشد ثم ذكر الأبيات " . قوله : ( زبية للأسد ) .

الزبية بضم الزاي وسكون الموحدة بعدها تحتية وهي حفرة الأسد وتطلق أيضا على الرابية بالراء . قال في القاموس : والزبية بالضم الرابية لا يعلوها ماء ، ثم قال : وحفرة للأسد انتهى . والمقصود هنا الحفرة التي يحفرها الناس ليقع فيها الأسد فيقتلونه ومن إطلاق الزبية على المحل المرتفع قول عثمان بن عفان يخاطب علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيام حصره في الدار : قد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى

قوله : ( على تفئة ذلك ) بالتاء الفوقية المفتوحة وكسر الفاء ثم همزة مفتوحة . قال في القاموس : تفئة الشيء : حينه وزمانه

وقد استدل بهذا القضاء الذي قضى به أمير المؤمنين وقرره رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن دية المتجاذبين في البئر تكون على الصفة المذكورة فيؤخذ من قوم الجماعة الذين ازدحموا على البئر وتدافعوا ذلك المقدار ثم يقسم على تلك الصفة ; فيعطى الأول من المتردين ربع الدية ويهدر من دمه ثلاثة أرباع لأنه هلك بفعل المزدحمين وبفعل [ ص: 91 ] نفسه وهو جذبه لمن بجنبه ، فكأن موته وقع بمجموع الازدحام ووقوع الثلاثة الأنفار عليه ، ونزل الازدحام منزلة سبب واحد من الأسباب التي كان بها موته ، ووقوع الثلاثة عليه منزلة ثلاثة أسباب فهدر من ديته ثلاثة أرباع واستحق الثاني ثلث الدية لأنه هلك بمجموع الجذب المتسبب عن الازدحام ووقوع الاثنين عليه ونزل الازدحام منزلة سبب واحد

ووقوع الاثنين عليه منزلة سببين فهدر من دمه الثلثان لأن وقوع الاثنين عليه كان بسببه ، واستحق الثالث نصف الدية لأنه هلك بمجموع الجذب ممن تحته المتسبب عن الازدحام وبوقوع من فوقه عليه وهو واحد وسقط نصف ديته ولزم نصفها ، والرابع كان هلاكه بمجرد الجذب له فقط فكان مستحقا للدية كاملة ولم يجعل للجناية التي وقعت من الأسد عليهم حكم جناية من تضمن جنايته حتى ينظر في مقدار ما شاركها من الوقوع الذي كان هلاك الواقعين بمجموعهما ، والمعروف في كتب الفقه أنه إذا تجاذب جماعة في بئر بأن سقط الأول ثم جذب من فوقه عليه ثم كذلك حتى صار الواقعون في البئر مثل أربعة فإنه يهدر من الأول سقوط الثاني عليه لأنه بسببه وهو ربع الدية ، ويضمن الحافر ربع ديته ، والثالث والرابع نصفها ويهدر من الثاني سقوط الثالث عليه وحصته ثلث ديته ، ويضمن الأول ثلث ديته ، والثالث ثلثها ، ويهدر من الثالث وقوع الرابع عليه وحصته نصف الدية ، ويضمن الباقي نصفها ويضمن الثالث جميع دية الرابع . هذا إذا هلكوا بمجموع الوقوع في البئر وصدم بعضهم لبعض

وأما إذا لم يتصادموا بل تجاذبوا ووقع كل واحد منهم بجانب من البئر غير جانب صاحبه فإنها تكون دية الأول على الحافر ودية الثاني على الأول ودية الثالث على الثاني ودية الرابع على الثالث ، وأما إذا تصادموا في البئر ولم يتجاذبوا فربع دية الأول على الحافر وعلى الثلاثة ثلاثة أرباع ونصف دية الثاني على الثالث والنصف الآخر على الرابع ، ودية الثالث على الرابع ، ويهدر الرابع ، وهذا إذا كان الموت وقع بمجرد المصادمة من دون أن يكون للهوي تأثير ، وإلا كان على الحافر من الضمان بقدر ذلك ويكون الضمان في صورة التصادم والتجاذب على عاقلة الحافر .

وفي أموال المتجاذبين المتصادمين وفي صورة التجاذب فقط كذلك ، وأما في صورة التصادم فقط ، فعلى عواقلهم فقط ، وأما إذا لم يكن تجاذب ولا تصادم فالديات كلها على عاقلة الحافر

والحاصل أن من كان جانيا على غيره خطأ فما لزم بالجناية على عاقلته ، ومن كان جانيا عمدا فمن ماله ، وتحمل قصة الأعمى المذكورة في الباب على أنه لم يقع على البصير بجذبه له وإلا كان هدرا . قوله : ( فاستسقاهم فلم يسقوه . . . إلخ ) فيه دليل على أن من منع من غيره ما يحتاج إليه من طعام أو شراب مع قدرته على ذلك فمات ضمنه لأنه [ ص: 92 ] متسبب بذلك لموته وسد الرمق واجب . وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا مات الشخص بسبب ومباشرة يكون الضمان على المباشر فقط . قال في البحر : مسألة : ومن سقط في بئر فجر آخر فماتا بالتصادم والهوي ضمن الحافر نصف دية الأول فقط وهدر نصف إذ مات بسببين منه ومن الحافر . وقيل : لا شيء على الحافر إذ هو فاعل سبب والجذب مباشرة ، وأما المجذوب فعلى الجاذب قولا واحدا إذ هو المباشر انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية