صفحة جزء
باب العاقلة وما تحمله 3082 - ( صح عنه عليه الصلاة والسلام { أنه قضى بدية المرأة المقتولة ودية جنينها على عصبة القاتلة } . وروى جابر قال { : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقولة ثم كتب إنه لا يحل أن يتوالى مولى رجل مسلم بغير إذنه } . رواه أحمد ومسلم والنسائي .

3083 - وعن عبادة { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين المقتول بغرة : عبد أو أمة فورثها بعلها وبنوها ، قال : وكان من امرأتيه كلتيهما ولد ، فقال أبو القاتلة المقضي عليه : يا رسول الله كيف أغرم من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل ، فمثل ذلك بطل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا من الكهان } . رواه عبد الله بن أحمد في المسند ) .

3084 - ( وعن جابر { : أن امرأتين من هذيل قتلت إحداهما الأخرى ، ولكل واحدة منهما زوج وولد ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة ، وبرأ زوجها وولدها ، قال : فقال عاقلة المقتولة : ميراثها لنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ، ميراثها لزوجها وولدها } . رواه أبو داود وهو حجة في أن ابن المرأة ليس من عاقلتها ) .


الحديث الأول الذي أشار إليه المصنف بقوله : " صح عنه أنه قضى . . . إلخ " ، قد تقدم في باب دية الجنين . وحديث عبادة قد تقدم ما يشهد له في باب دية الجنين أيضا . وحديث جابر أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه النووي في الروضة ، وفي إسناده مجالد وهو ضعيف لا يحتج بما انفرد به ، ففي تصحيحه ما فيه . وقد تكلم جماعة من الأئمة في مجالد بن سعيد . وقد اختلفت الأحاديث ففي بعضها ما يدل على أن لكل واحدة من المرأتين [ ص: 98 ] المقتتلتين زوجا غير زوج الأخرى كما في حديث جابر المذكور في الباب وكما في حديث أبي هريرة عند الشيخين بلفظ : { إن امرأتين من هذيل اقتتلتا ولكل واحدة منهما زوج ، فبرأ الزوج والولد ، ثم ماتت القاتلة ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراثها لبنيها والعقل على العصبة } .

وفي بعض الأحاديث ما يدل على أن المرأتين المقتتلتين زوجهما واحد كما في حديث الباب وكما أخرجه الطبراني من طريق أبي المليح بن أسامة بن عمير الهذلي عن أبيه قال : " كان فينا رجل يقال له حمل بن مالك له امرأتان إحداهما هذلية والأخرى عامرية ، فضربت الهذلية بطن العامرية " وأخرجه الحارث من طريق أبي المليح فأرسله لم يقل عن أبيه ، ولفظه : " أن حمل بن النابغة كان له امرأتان مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة " وفي رواية لابن عباس عند أبي داود " إحداهما مليكة والأخرى أم عطيف " .

قوله : ( باب العاقلة ) بكسر القاف جمع عاقل وهو دافع الدية ، وسميت الدية عقلا تسمية بالمصدر ; لأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي المقتول ، ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية ولو لم تكن إبلا ، وعاقلة الرجل قراباته من قبل الأب وهم عصبته وهم الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول .

وتحميل العاقلة الدية ثابت بالسنة وهو إجماع أهل العلم كما حكاه في الفتح ، وتضمين العاقلة مخالف لظاهر قوله تعالى: { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فتكون الأحاديث القاضية بتضمين العاقلة مخصصة لعموم الآية لما في ذلك من المصلحة ; لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله لأن تتابع الخطإ لا يؤمن ، ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول . وعاقلة الرجل عشيرته ، فيبدأ بفخذه الأدنى فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبة النسب ثم السبب ثم في بيت المال . وقال الناصر : إنها تجب على العصبة ثم على أهل الديوان يعني جند السلطان . وقال أبو حنيفة : إنها تجب على أهل الديوان ولا شيء على الورثة لأن عمر جعلها على أهل الديوان دون أهل الميراث ولم ينكر ، هكذا في البحر ، ولا يخفى ما في ذلك من المخالفة للأحاديث الصحيحة

وقد حكي في البحر عن الأصم وابن علية وأكثر الخوارج أن دية الخطإ في مال القاتل ولا تلزم العاقلة . وحكي عن علقمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة والبتي وأبي ثور أن الذي يلزم العاقلة هو الخطأ المحض وعمد الخطإ في مال القاتل . قوله : ( على كل بطن عقولة ) بضم العين المهملة والقياس في مصدر عقل أن يأتي على العقل أو العقول ، وإنما دخلت الهاء لإفادة المرة الواحدة . قوله : ( لا يحل أن يتوالى مولى رجل . . . إلخ ) فيه تحريم أن يتولى مولى الرجل موالي رجل آخر ، وليس المراد بقوله : " بغير إذنه " أنه يجوز ذلك مع الإذن ، بل المراد التأكيد كقوله تعالى : { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة }

[ ص: 99 ] قوله : ( قضى في الجنين المقتول بغرة . . . إلخ ) قد تقدم تفسير الجنين والغرة وما يتعلق بهما في باب دية الجنين . قوله : ( وبرأ زوجها وولدها ) فيه دليل على أن الزوج والولد ليسا من العاقلة ، وإليه ذهب مالك والشافعي ، وذهبت العترة إلى أن الولد من جملة العاقلة . وقد تقدم الكلام في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية