صفحة جزء
باب السيد يقيم الحد على رقيقه [ ص: 145 ] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ، ولو بحبل من شعر } . متفق عليه ، ورواه أحمد في رواية وأبو داود وذكرا فيه في الرابعة الحد والبيع . قال الخطابي : معنى لا يثرب : لا يقتصر على التثريب ) .

3138 - ( وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قالا : سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن ، قال { : إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم إن زنت فاجلدوها ، ثم بيعوها ولو بضفير } قال ابن شهاب : لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة . متفق عليه ) .

3139 - ( وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه { أن خادما للنبي صلى الله عليه وسلم أحدثت ، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أقيم عليها الحد ، فأتيتها فوجدتها لم تجف من دمها ، فأتيته فأخبرته ، فقال : إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد ، أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم } . رواه أحمد وأبو داود ) .


حديث علي أخرجه مسلم في صحيحه والبيهقي والحاكم ووهم فاستدركه . قوله : ( فتبين زناها ) الظاهر أن المراد تبينه بما يتبين في حق الحرة ، وذلك إما بشهادة أربعة أو بالإقرار على الخلاف المتقدم فيه . وقيل : إن المراد بالتبين أن يعلم السيد بذلك وإن لم يقع إقرار ولا قامت شهادة . وإليه ذهب بعضهم . وحكى في البحر الإجماع على أنه يعتبر شهادة أربعة في العبد كالحر والأمة حكمها حكمه . وقد ذهب الأكثر إلى أن الشهادة تكون إلى الإمام أو الحاكم . وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنها تكون عند السيد . قوله : ( ولا يثرب عليها ) بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة مفتوحة ثم راء مشددة مكسورة وبعدها موحدة وهو التعنيف .

وقد ثبت في رواية عند النسائي بلفظ : " ولا يعنفها " والمراد أن اللازم لها شرعا هو الحد فقط فلا يضم إليه سيدها ما ليس بواجب شرعا وهو [ ص: 146 ] التثريب . وقيل : إن المراد نهي السيد على أن يقتصر على التثريب دون الحد وهو مخالف لما يفهمه السياق .

وفي ذلك كما قال ابن بطال دليل على أنه لا يعزر من أقيم عليه الحد بالتعنيف واللوم ، ولهذا لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم سب أحدا ممن أقام عليه الحد ، بل نهى صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما سيأتي من حديث أبي هريرة في كتاب حد شارب الخمر . قوله : ( ثم إن زنت ) فيه دليل على أنه لا يقام على الأمة الحد إلا إذا زنت بعد إقامة الحد عليها لا إذا تكرر منها الزنا قبل إقامة الحد كما يدل على ذلك لفظ " ثم " بعد ذكر الجلد .

قوله : ( فليبعها ) ظاهر هذا أنها لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ، ولكن الرواية التي ذكرها المصنف عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة ، وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع ، وبها يرد على النووي حيث قال : إنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلا على ذلك بقوله : " فليبعها " وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود ، وأما الحافظ في الفتح فقال : الأرجح أنه يجلدها قبل البيع ثم يبيعها ، وصرح بأن السكوت عن الجلد للعلم به ، ولا يخفى أنه لم يسكت صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما سلف ، وظاهر الأمر بالبيع أنه واجب

وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط ، وزعم بعض الشافعية أن الأمر بالبيع منسوخ كما حكاه ابن الرفعة في المطلب ، ولا أعرف له ناسخا فإن كان هو النهي عن إضاعة المال كما زعم بعضهم فيجاب عنه أولا بأن الإضاعة إنما تكون إذا لم يكن شيء في مقابل المبيع ، والمأمور به ههنا هو البيع لا الإضاعة ، وذكر الحبل من الشعر للمبالغة ولو سلم عدم إرادة المبالغة لما كان في البيع بحبل من شعر إضاعة ، وإلا لزم أن يكون بيع الشيء الكثير بالحقير إضاعة وهو ممنوع . وقد ذهب داود وسائر أهل الظاهر إلى أن البيع واجب ; لأن ترك مخالطة الفسقة ومفارقتهم واجبان ، وبيع الحقير بالكثير جائز إذا كان البائع عالما به بالإجماع .

قال ابن بطال : حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك ، ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا . قال : وحمله بعضهم على الوجوب ، ولا سلف له في الأمة فلا يشتغل به انتهى . وظاهره أنه أجمع السلف على عدم وجوب البيع فإن صح ذلك كان هو القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب وإلا كان الحق ما قاله أهل الظاهر . وأحاديث الباب فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه ، وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم إمام وإلا كان إلى سيده ، وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر حدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبدا لسيدها فأمر حدها إلى السيد ، واستثنى مالك أيضا القطع في [ ص: 147 ] السرقة وهو وجه للشافعية ، وفي وجه لهم آخر يستثنى حد الشرب .

وروي عن الثوري والأوزاعي أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا وذهبت الحنفية إلى أنه لا يقيم الحدود على المماليك إلا الإمام مطلقا .

وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام موجودا أو معدوما ، بين أن يكون السيد صالحا لإقامة الحد أم لا . وقال ابن حزم : يقيمه السيد إلا إذا كان كافرا . وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال : أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت ، ورواه الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة وأخرجه أيضا البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه ، وأخرجه أيضا عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهى إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون : لا ينبغي لأحد يقيم شيئا من الحدود دون السلطان ، إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته .

وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبدا له زنى .

وأخرج مالك عن عائشة " أنها قطعت يد عبد لها " وأخرج أيضا " أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها " .

وأخرج عبد الرزاق والشافعي " أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حدت جارية لها زنت " وتقدم في الباب الذي قبل هذا " أنها جلدت وليدة لها خمسين " . وقد احتج من قال : إنه لا يقيم الحدود مطلقا إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال : " كان رجل من الصحابة يقول : الزكاة والحدود والجمعة والفيء إلى السلطان " . قال الطحاوي : لا نعلم له مخالفا من الصحابة ، وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه اثنا عشر صحابيا . وظاهر أحاديث الباب أن الأمة والعبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا ، وقد تقدم الخلاف في ذلك في الباب الذي قبل هذا . وقد اختلف أهل العلم في المملوك إذا كان محصنا هل يرجم أم لا ؟ فذهب الأكثر إلى الثاني ، وذهب الزهري وأبو ثور إلى الأول . واحتج الأولون بأن الرجم لا يتنصف ، واحتج الآخرون بعموم الأدلة ، وأما المكاتب فذهبت العترة إلى أنه لا رجم عليه ويجلد كالحر بقدر ما أدى وفي البقية كالعبد ، وذهبت الشافعية والحنفية إلى أنه يجلد كالعبد مطلقا لحديث : { المكاتب عبد ما بقي عليه درهم } وقد تقدم الكلام على التقسيط في المكاتب في باب الكتابة .

التالي السابق


الخدمات العلمية