صفحة جزء
كتاب القطع في السرقة باب ما جاء في كم يقطع السارق ؟ [ ص: 148 ] عن ابن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم } . رواه الجماعة . وفي لفظ بعضهم : قيمته ثلاثة دراهم ) .

3141 - ( وعن عائشة قالت { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا } . رواه الجماعة إلا ابن ماجه .

وفي رواية { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا } ، رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه .

وفي رواية قال : " تقطع يد السارق في ربع دينار " رواه البخاري والنسائي وأبو داود ، وفي رواية : قال : " تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " . رواه البخاري .

وفي رواية قال : " اقطعوا في ربع دينار ، ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك " وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم ، والدينار اثني عشر درهما . رواه أحمد .

وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " ، قيل لعائشة : ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار . رواه النسائي ) .

3142 - ( وعن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال { : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده } ، قال الأعمش : كانوا يرون أنه بيض الحديد ، والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم . متفق عليه ، وليس لمسلم فيه زيادة قول الأعمش ) .


قوله : ( في مجن ) بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الترس ويقال له : مجنة بكسر الميم أيضا وجنان وجنانة بضمهما . قوله : ( فصاعدا ) هو منصوب على الحالية : [ ص: 149 ] أي فزائدا ويستعمل بالفاء وبثم لا بالواو . وفي رواية لمسلم : { لن تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فما فوقه } . قوله : ( في ربع دينار ) هذه الرواية موافقة لرواية الثلاثة الدراهم التي هي ثمن المجن كما في رواية النسائي المذكورة في الباب " أن ثمن المجن كان ربع دينار " وكما في رواية أحمد " أنه كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم " . وقال الشافعي : وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم ، وذلك أن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر درهما بدينار ، وكان كذلك بعده ، وقد تقدم أن عمر فرض الدية على أهل الورق اثني عشر ألف درهم ، وعلى أهل الذهب ألف دينار . وأخرج ابن المنذر أنه أتي عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار باثني عشر فقطع .

وأخرج البيهقي أيضا من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفا . وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه القطع في ربع دينار فصاعدا . وأخرج أيضا من طريقه عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ، ورجاله ثقات ولكنه منقطع . وقد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة . واختلفوا فيما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة . فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا ، وقال الشافعي : الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب ; لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال : إن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى .

قال مالك : وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالآخر . وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد . وذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم ولا قطع في أقل من ذلك . واحتجوا بما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال { : كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم عشرة دراهم ، } وأخرج نحو ذلك النسائي عنه ، وأخرج عنه أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم ، وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : { كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم } . وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا : { أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال : وثمنه عشرة دراهم } . قالوا : [ ص: 150 ] وهذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر وأصح ولكن هذه أحوط ، والحدود تدفع بالشبهات ، فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها .

وروي نحو هذا عن ابن العربي قال : وإليه ذهب سفيان مع جلالته . ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ، ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة ، وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله ، وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه . وأيضا حديث ابن عمر حجة مستقلة ، ولو سلمنا صلاحية روايات تقدير ثمن المجن بعشرة دراهم لمعارضة الروايات الصحيحة لم يكن ذلك مفيدا للمطلوب ، أعني عدم ثبوت القطع فيما دون ذلك لما في الباب من إثبات القطع في ربع الدينار وهو دون عشرة دراهم ، فيرجع إلى هذه الروايات ويتعين طرح الروايات المتعارضة في ثمن المجن ، وبهذا يلوح لك عدم صحة الاستدلال برواية العشرة الدراهم عن بعض الصحابة على سقوط القطع فيما دونها وجعلها شبهة ، والحدود تدرأ بالشبهات لما سلف .

وقد أسلفنا عن جماعة من الصحابة أنهم قطعوا في ربع دينار وفي ثلاثة دراهم . المذهب الثالث : نقله عياض عن النخعي أنه لا يجب القطع إلا في أربعة دنانير أو أربعين درهما ، وهذا قول لا دليل عليه فيما أعلم . المذهب الرابع : حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه يقطع في درهمين . وحكاه في البحر عن زياد بن أبي زياد ولا دليل على ذلك من المرفوع . وقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس بسند قوي أن أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين . وفي لفظ : لا يساوي ثلاثة دراهم . المذهب الخامس : أربعة دراهم ، نقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد ، وكذلك حكاه عنهما في البحر ، ونقله عياض عن بعض الصحابة وهو مردود بما سلف .

المذهب السادس : ثلث دينار ، رواه ابن المنذر عن الباقر . المذهب السابع : خمسة دراهم ، حكاه في البحر عن الناصر والنخعي وروي عن ابن شبرمة ، وهو مروي عن ابن أبي ليلى والحسن البصري بما أخرجه ابن المنذر عن عمر أنه قال : لا تقطع الخمس إلا في خمس . المذهب الثامن : دينار أو ما بلغ قيمته ، رواه ابن المنذر عن النخعي ، وحكاه ابن حزم عن طائفة . المذهب التاسع : ربع دينار من الذهب ومن غيره في القليل والكثير ، وإليه ذهب ابن حزم ونقل نحوه ابن عبد البر .

واستدل ابن حزم بأن التحديد في الذهب منصوص ولم يوجد نص في غيره فيكون داخلا تحت عموم الآية . ويجاب عن ذلك برواية النسائي المذكورة في الباب بلفظ : { لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن } ويمكن أيضا الجواب عنه بقوله صلى الله عليه وسلم : { اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك } كما في الباب لأنه يصدق [ ص: 151 ] على ما لم تبلغ قيمته ربع دينار أنه دونه ، وإن كان من غير الذهب فإنه يفضل الجنس على جنس آخر مغاير له باعتبار الزيادة في الثمن ، وكذلك العرض على العرض باعتبار اختلاف ثمنهما . المذهب العاشر : أنه يثبت القطع في القليل والكثير ، حكاه في البحر عن الحسن البصري وداود والخوارج ، واستدلوا بإطلاق قوله تعالى: { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } . ويجاب بأن إطلاق الآية مقيد بالأحاديث المذكورة في الباب .

واستدلوا ثانيا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب فإن فيه : { يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده } وقد أجيب عن ذلك أن المراد تحقير شأن السارق وخسار ما ربحه ، وأنه إذا جعل السرق عادة له جرأه ذلك على سرقة ما فوق البيضة والحبل حتى يبلغ إلى المقدار الذي تقطع به الأيدي ، هكذا قال الخطابي وابن قتيبة وفيه تعسف . ويمكن أن يقال : المراد المبالغة في التنفير عن السرقة وجعل ما لا قطع فيه بمنزلة ما فيه القطع كما في حديث : { من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة } وحديث : { تصدقي ولو بظلف محرق } مع أن مفحص القطاة لا يكون مسجدا ، والظلف المحرق لا ثواب في التصدق به لعدم نفعه ، ولكن مقام الترغيب في بناء المساجد والصدقة اقتضى ذلك ، على أنه قد قيل : إن المراد بالبيضة بيضة الحديد كما وقع في الباب عن الأعمش ، ولا شك أن لها قيمة .

وكذلك الحبل فإن في الحبال ما تزيد قيمته على ثلاثة دراهم كحبال السفن ، ولكن مقام المبالغة لا يناسب ذلك . وقد تقدم أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في بيضة حديد ثمنها ربع دينار .

الحادي عشر : أنه يثبت القطع في درهم فصاعدا لا دونه ، حكاه في البحر عن البتي ، وروي عن ربيعة . هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة ، وقد جعلها في الفتح عشرين مذهبا ولكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما حكيناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية